خالد أبو شقرا - نداء الوطن
فَضحُ زيف الإدّعاء بعدم تضمين موازنة 2022 أعباءً ضريبية جديدة، شكّلَ مصدر حرج لكل نائب يوقّع قانونها قبل الانتخابات. الكلّ «اشتمّ» بها «رائحة كافر» وجب طرده، إلى أن يمرّ «قطوع» تجديد البيعة بعد أيار. فرُحّلت الموازنة لأشهر طويلة، لكن «شياطين» الإنفاق وتحصيل الإيرادات المقرّة ستبقى تلاحق المواطن والاقتصاد حتّى لو لم يقرّها البرلمان.
السماح بالصرف على أساس القاعدة الإثنتي عشرية مرّ مرور الكرام. فأقرّت لجنة المال والموازنة النيابية مشروع القانون الوارد بالمرسوم رقم 8728 الرامي إلى إجازة جباية الواردات كما في السابق وصرف النفقات اعتباراً من أول شباط 2022 ولغاية صدور قانون موازنة العام 2022. لكنّ المشكلة أن لا النفقات ولا الايرادات على أساس الأشهر الماضية كافية لتمرير المرحلة؛ فما الحلّ؟؟
الإنفاق من دون موازنة
النفقات الأساسية والأكثر إلحاحاً وتأثيراً في حياة المواطنين تتمثّل في رواتب موظفي القطاع العام، التي شكلت نحو 44 في المئة من النفقات في موازنة 2022. إذ نصّت الأخيرة على مضاعفة الأجور لمدة سنة على شكل مساعدات اجتماعية. ومن البديهي أنّه من دون إقرار الموازنة لن ينال الموظفون هذه «المكرمة». ولتفادي النقمة الشعبية، وتفادي الإضرابات والاعتصامات لاقت السلطة المخرج القانوني، وليس الاقتصادي، بإعطاء المساعدات بمرسوم. فوقّع رئيس الجمهورية، المرسوم الرقم 8838 القاضي بإعطاء مساعدة اجتماعية موقّتة على سبيل التسوية لجميع العاملين في القطاع العام مهما كانت مسمّياتهم الوظيفية، والمتقاعدين الذين يستفيدون من معاش تقاعدي بمفعول رجعي، ابتداءً من 1/1/2022 وإلى حين إقرار مشروع الموازنة العامة لعام 2022. وحدّدت قيمة المساعدة بنصف راتب، على أن لا تقلّ الدفعة عن 1.5 مليون ليرة ولا تزيد عن 3 ملايين ليرة. الحاجة الملحة للإنفاق على الأجور (تشكل نحو 13% من مجمل النفقات)، وعلى النفقات الطارئة والاستثنائية (16.8%)، والمنافع الاجتماعية (26.3%)، والمواد والخدمات الاستهلاكية (5%)... وغيرها الكثير، تتطلب إيرادات كبيرة. فمن أين ستؤمّن الايرادات إن لم تقرّ الموازنة ويوافق البرلمان على الضرائب والرسوم التي تتضمّنها؟
زيادة الضرائب والرسوم ممكنة
هناك أكثر من حل، فبالنسبة إلى الدولار الجمركي، الذي سيؤدي احتسابه على أساس صيرفة بحسب «المعهد اللبناني لدراسات السوق»، إلى ارتفاع الايرادات الجمركية بنحو 7 أضعاف، أي من 0.5 ترييليون في العام 2021 إلى 3.4 تريليونات هذا العام، ليس هناك مشكلة بتطبيقه. حيث يلفت الخبير المالي والضرائبي المحامي كريم ضاهر إلى أن مجلس النواب منح الحكومة في تشرين الأول 2018 من خلال القانون رقم 93 حق التشريع في الحقل الجمركي لمدة 5 سنوات بمراسيم تتّخذ في مجلس الوزراء. وعلى هذا الأساس نصّت المادة الثانية من هذا القانون على التالي: «في ما يتعلق بالتعرفات الجمركية، للحكومة أن تمارس هذا الحق مباشرة أو تنيب المجلس الأعلى للجمارك أن يمارسه». وعليه لن تحتاج السلطة التنفيذية إلى إقرار قانون الموازنة لتغيير التعرفات الجمركية واحتساب دولارها على سعر صيرفة.
مخالفة الدستور
النائب السابق والخبير في مجال مُكافحة الفساد المحامي غسان مخيبر، اعتبر أن «كل جباية وإنفاق من خارج الموازنة مخالَفة للدستور». لكن المشكلة أن المجلس النيابي والحكومة دأبا على تغطية هذه المخالفات بشتى الأساليب، منها: تمديد العمل بالقاعدة الإثنتي عشرية لأكثر من شهر كانون الثاني، أو إقرار قوانين تسمى قوانين القاعدة الإثنتي عشرية، أو حتى سلفات، و»كلها ممارسات مخالفة للدستور»، بحسب مخيبر. «أما في ما يتعلق بالقانون 93، أي «حق التشريع في الحقل الجمركي لمدة 5 سنوات»، فاعتبر مخيبر أن «هذه الممارسات قديمة، وقد بدأت بثمانينات القرن المنصرم، وهناك العديد من قوانين التفويض التشريعي للحكومة. أما الجديد فيها فهو أننا في مرحلة انهيار اقتصادي ومالي واجتماعي، تجعل أي قرار يتعلق بالرسوم الجمركية ذات حساسية كبيرة جداً وتأثير اجتماعي كبير جداً. فنحن لسنا بحالة عادية إنما استثنائية. الأمر الذي يحتّم إعادة النظر بمثل هذا التفويض التشريعي».
أما في ما يخصّ بقية الضرائب والرسوم المباشرة وغير المباشرة المضافة في الموازنة، ومنها مثلاً الزيادة المقنعة لضريبة الدخل عن طريق تغيير الشطور، فيعتبر مخيبر أن الدستور واضح وصريح، لا يمكن أن تعدّل الضرائب، أو تجبى، إلا بقانون. وهذه من الصلاحيات التي يختص بها مجلس النواب، ولا يمكن تفويضها لأحد».
الإلتفاف على القوانين بتغيير سعر الصرف
الإلتفاف على القوانين بمراسيم وقرارات وزارية من أجل زيادة إيرادات الدولة يسير على قدم وساق منذ بدء الأزمة. ولعلّ أخطر هذه الممارسات، هو تغيير سعر الصرف على الضرائب والرسوم واحتسابه على أساس سعر السوق من دون الرجوع إلى مجلس النواب، أو حتى إصدار هذا التعديل بقانون. ومن الأمثلة الفاقعة القرار 893 المتّخذ في نهاية العام 2020، والذي يحتسب الضريبة على القيمة المضافة على سعر السوق. ومثله قرار مديرية الواردات في وزارة المالية في العام 2021 بوجوب احتساب ضريبة الدخل على أساس سعر صرف السوق لمن يتقاضى دخله بالعملة الأجنبية. وذلك خلافاً لكل من قانون النقد والتسليف، وتحديداً المادة 70 منه، والمادة 18 من المرسوم رقم 7308 تاريخ 28 كانون الثاني 2002. وبحسب رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق د. باتريك مارديني فإن «الالتفاف على القوانين وزيادة الضرائب بطرق متعددة من دون العودة لمجلس النواب لا يحرم فقط المواطن من حق محاسبة المشرعين لإضرارهم بمصلحته فحسب، إنما أيضاً يحوّل الحكومة والوزراء إلى سلطة مهيمنة. حيث تفرض الضرائب والرسوم من قبل السلطة التنفيذية من دون حسيب أو رقيب».
العمل على رفع إيرادات الدولة بالضرائب والرسوم بشتى الطرق، لا ينفع الاقتصاد، ولا يزيد عائدات الدولة مثلما تتوقع الموازنة. والدليل بحسب دراسة لـ «المعهد اللبناني لدراسات السوق» أنه في العام 2019 رفعت الحكومة الضرائب أملاً بتحقيق 19 ألف مليار ليرة إيرادات فأتت النتيجة بتحصيل 15.8 ألف مليار فقط. وهذا التراجع يعود إلى «منحنى لافر» الذي يبرهن أن زيادة الضرائب فوق قدرة الاقتصاد وتحمّل المواطنين تؤدي إلى نتائج سلبية، مثلما سيحصل مع الطموح غير المنطقي اليوم بتحصيل 39 ألف مليار ليرة والبلد منهار.