يترقّب عملاء المصارف اللبنانية تطورات سعر صرف الدولار في السوق الموازية الذي يتحكم به المضاربون والصرافون، وعلى منصة «صيرفة» التي يحددها مصرف لبنان، قبل الإقدام على سحب رواتبهم، كما جرت العادة مع بداية كل شهر.
وفي مفارقة لافتة، تخطت منصة «صيرفة» سعر صرف الدولار في السوق الموازية. وقال لبنانيون لـ«الشرق الأوسط» إن عدداً من المصارف أجبر عملاءهم على سحب رواتبهم بالدولار على سعر المنصة في محاولة للتخلص من الكوتة التي حصلت عليها من مصرف لبنان بسعر 22500 ليرة لبنانية للدولار الواحد، في حين أن دولار السوق الموازية تراجع إلى نحو 20 ألف ليرة.
وأصدر «مصرف لبنان» الشهر الماضي تعميماً يحمل الرقم 161. وينصّ على دفع المصارف لعملائها السحوبات النقدية التي يحق لهم سحبها، سواء بالليرة أو بالدولار الورقي، وفق السقوف المعتمدة لدى كل مصرف، ويتم احتسابها وفق سعر الصرف على منصة «صيرفة».
وتقول مصادر مصرفية لـ«الشرق الأوسط» إنه لليوم الثاني على التوالي لم تكن السحوبات على القدر المتوقع، وتضيف أن «عملية السحب انخفضت أكثر من 90 في المائة، أول من أمس (الثلاثاء)، وشهدت تحسناً طفيفاً أمس (الأربعاء)، إلا أن الأغلبية تنتظر إمكانية تخفيض سعر «صيرفة» أقل من سعر صرف الدولار في السوق الموازية للتمكن من تحقيق أرباح.
وامتنع عدد كبير من المصارف الثلاثاء عن تسديد رواتب الموظفين والمودعين بالليرة اللبنانية، عارضين عليهم التسديد بالدولار النقدي فقط تطبيقاً للتعميم 161، ولم تتمكن اللبنانية دنيا من سحب راتبها، صباح أول من أمس، من المصرف بالليرة اللبنانية، وقالت لـ«الشرق الأوسط» إنها «تلقت رسالة نصية في الصباح الباكر تفيد بأن المصرف لا يسمح للعملاء بسحب راتبهم بالعملة الوطنية، ويجبرهم على السحب بالدولار حصراً على سعر منصة صيرفة».
هرعت دنيا إلى المصرف للتأكد بنفسها؛ حيث تبين أن الأمر صحيح. تقول: «الأمر يكبدني خسارة أكثر من 10 في المائة من راتبي نظراً لانخفاض سعر صرف الدولار في السوق السوداء».
وعكست المصارف الثلاثاء مشهدين متناقضين، فبعضها شهد احتجاجات وازدحاماً بعدما تهافت المواطنون عليها لسحب رواتبهم بالليرة اللبنانية والاستفادة من تدني سعر صرف الدولار في السوق السوداء، وبعضها الآخر تحدث عن سحوبات تحت المعدل الطبيعي لمثل هذا الوقت من الشهر.
وتقول دنيا إنه لدى سؤالها أحد موظفي المصرف عن سبب عدم سماح المصرف بالسحب بالليرة اللبنانية، أجاب بأن خطأ تقنياً حال دون إجراء تلك السحوبات، واعداً بأن تحل المشكلة في اليوم التالي كأقصى حد، لكنها تضيف: «إذا تعطل الصراف الآلي، فلماذا لا يعطون الناس رواتبهم على الصندوق داخل الفرع؟».
وتوضح مصادر من المصرف المعني الذي تحدثت عنه دنيا لـ«الشرق الأوسط» أن «كل ما يُقال هو إشاعات»، مؤكدة أن «مشكلة تقنية حالت دون تمكن العملاء من السحب، سواء بالليرة اللبنانية أو الدولار، والمشكلة قيد المعالجة»، مشيرة إلى أن المصرف «حصر عمليات السحب عبر الصراف الآلي منذ نحو العام وتوقف عن عمليات السحب عبر الصندوق داخل الفروع وهذا ما أدى إلى عدم تمكن العملاء من الحصول على رواتبهم». ووجد الموظفون أن قيمة رواتبهم التي يتقاضونها بالدولار تتآكل بالنظر إلى أن المصرف يمنحهم إياها على سعر «صيرفة»، والبالغ 22300 ليرة، بينما الصراف يصرف الدولارات بحوزتهم على سعر صرف 19500 ليرة. وتجمع العملاء أمام بعض المصارف التي سدّدت الرواتب بالدولار اعتراضاً. ورفع المحتجون نداءات رفضت هذه التدابير التي تقتطع من رواتبهم ما يقارب 10 في المائة من قيمتها.
وتكرر الأمر نفسه مع سهام (71 عاماً) في مصرف لبناني آخر. وتخبر «الشرق الأوسط» أن المصرف رفض إعطاءها راتبها التقاعدي بالليرة اللبنانية، وتقول: «غادرت المصرف بانتظار ما ستؤول إليه الأمور لكن لن أرضى باقتطاعهم مبلغ 300 ألف ليرة من راتبي... إنها مهزلة. بأي حق يمنعون الناس، مرة من الليرة اللبنانية، ومرة من الدولار!». من جهتها، تقول منى لـ«الشرق الأوسط» إن «عملية حسابية بسيطة تظهر أن الزيادات التي حصلنا عليها الشهر الماضي اقتطعت من رواتبنا الشهر الحالي!»، وتضيف: «ما يعطوننا إياه باليسار يأخذونه باليمين... وربما أخذوا أكثر».
وفي الشهر الماضي، تراوح سعر صرف منصة «صيرفة» بين 22000 و24600 ليرة لبنانية للدولار الواحد، في حين تراوح سعر صرف الدولار في السوق السوداء بين 27000 و31000 ليرة لبنانية، ما يعني أن المواطنين استفادوا بزيادة على رواتبهم وسحوباتهم تتراوح بين 7 و10 في المائة. وفي المقابل، يصرّ كثير من المواطنين على سحب رواتبهم بالليرة اللبنانية، ويرى باسم أن «دولار السوق السوداء لن يبقى منخفضاً، بل سيعاود الارتفاع بعد فترة»، ويوضح «الشرق الأوسط» أنه «بعد سحب راتبه بالليرة اللبنانية سيشتري الدولار من السوق السوداء». لكنه يشير في الوقت نفسه إلى أنه «سيضطر في نهاية المطاف لدفع الفواتير وشراء حاجيات البيت».
أما رامي فيمتنع عن سحب راتبه، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «سأخاطر وأتريث قليلاً لأرى كيف سيكون سعر (صيرفة) خلال هذا الأسبوع»، ويقول: «لو كانت الأسعار قد خفضت تماشياً مع انخفاض سعر صرف الدولار لما كنا اضطررنا لكل هذه المحاولات، لكن المشكلة أننا مجبرون على التعامل مع فقدان قيمة رواتبنا، مقابل ارتفاع أسعار السلع وعدم التزام التجار بتخفيضها مع نزول الدولار، أضف إلى كل ذلك المهزلة الجديدة لـ(صيرفة)ودولار السوق السوداء».