خالد أبو شقرا
تفاقم المأزق الذي أُوقعت به الكهرباء، دفع إلى تجربة الاستعانة بـ"مقدمي الخدمات" في الصيانة والتوزيع منذ العام 2012. لكن بدلاً من أن تحل هذه الطريقة جوهر المشكلة، فاقمته. وقد ظهر ذلك بوضوح مع نهاية السنة الرابعة على التكليف، حيث فاقت تكاليفها المبلغ المتفق عليه، ولم يطرأ أي تحسن يذكر في الحدّ من الهدرين. ومع هذا، استمرّ ضغط "الطاقة" لتجديد العقود، ووصل الأمر حدّ طلب 500 مليون دولار للشركات مع نهاية العام الماضي.
الإصرار على تمديد التعاقد مع شركات مقدمي الخدمات رغم الفشل الذريع، والفضائح الكثيرة، وشبهات الفساد المتعددة، يطرح أكثر من علامة استفهام. والمنطق السليم لا يفترض وقف التعاقد وإيجاد صيغة أكثر دقة وعملانية فحسب، إنّما الرجوع بالزمن وتفنيد الأخطاء والمحاسبة. وإلا فإنّ الأمل بتحسّن وضع الكهرباء سيكون "مثل أمل إبليس في الجنة".
تمويل المشتريات لزوم القيام بعملهم
العقد مع شركات تقديم خدمات الكهرباء الثلاث "BUS" و "KVA" و "NEU" يقضي بتمويل مشترياتها من أدوات صيانة وعدّادات وكابلات وأجهزة وخلافه، تُستردّ في ما بعد من مؤسسة الكهرباء. وهذا ما لم يحترم في بعض الأحيان وقد سجّل أكثر من تجاوز"، يقول المدير العام للاستثمار والصيانة السابق في وزارة الطاقة د. غسان بيضون. فإمّا كانوا يشترون مباشرة من خلال الاقتطاع من أموال المؤسسة أو تموّل المؤسسة المشتريات بشكل مباشر".
الجباية
الهدف الأساسي من التعاقد مع شركات مقدمي الخدمات كان تفعيل الجباية. حيث وزّعت على الشكل التالي:
BUS في جبل لبنان الشمالي والشمال.
KVA في بيروت والبقاع.
NEU في جبل لبنان الجنوبي، والجنوب.
ومن ثم أضيفت شركة Mrad في العام 2018 للقيام بالدور نفسه في القطعة 3 ب في جنوب لبنان.
بالإضافة إلى دورها في توسيع الشبكة وتشغيلها وصيانتها، فإن أحد أهم أدوارها كان قراءة العدّادات وجباية الفواتير بدقة للحدّ من الهدر والخسائر ثم القضاء عليها. وفي حال عدم تسجيل تحسّن في هذا المؤشر يُصار إلى اتخاذ إجراءات مالية بحق هذه الشركات كأن يحسم من مستحقاتها أو يحجز على بعضها. والواقع أنّ مسيرة هذه الشركات ترافقت مع تقصيرٍ فاضحٍ في الجباية، وقد أدّى إلى "خسائر كبيرة في الكهرباء، وفي حقوق المودعين لدى مصرف لبنان"، من وجهة نظر بيضون. فتأخُّر الجباية لأكثر من سنتين كان يعوّض بطلب الكهرباء السلفات من المركزي للاستمرار بالتغذية. فيما لو قامت هذه الشركات بدورها، وتحديداً في المرحلة السابقة للأزمة لكانت وفّرت ما قيمته 1000 مليار ليرة أو 600 مليون دولار هي عبارة عن فواتير غير محصّلة".
قطع الغيار والأسعار
إلى جانب الاتكال على مؤسسة كهرباء لبنان لتمويل المشتريات والتقصير في الجباية، فإنّ أسعار التجهيزات المشتراة من قبل الشركات كانت تفوق في كثير من الأحيان أسعار تلك المشتراة من مؤسسة الكهرباء بثلاثة إلى أربعة أضعاف. هذا عدا عن التفاوت في فاتورة المشتريات في ما بينها، والتي يذهب بعض الآراء إلى تقديرها بنسبة 300 في المئة. وهذا الأمر مرتبط بشكل أساسي بحسب بيضون بـ"اللجان المشكلة في مؤسسة كهرباء لبنان المكلفة التدقيق في كشوفات الشركات وطلباتها. وهذه اللجان لم تقم بدورها بإخلاص كما يفترض. حيث من غير المستبعد دفع المستحقات في الكثير من الأحيان من دون أي تدقيق جدي".
التقصير سابق للأزمة
الأمانة تقضي بالاعتراف أنّ واقع الشركات اليوم لا تحسد عليه. وهي قد لا تملك الإمكانية لشراء متطلبات عملها ودفع الأجور على سعر صرف السوق وتقاضي الفرق بالليرة على سعر صرف 1500 ليرة. كما أن صلاحياتها محدودة، ولا تملك القدرة على تسطير محاضر الضبط ورفع التعديات عن الشبكة. حيث تفوق نسبة السرقة 30 في المئة. إلا أنّ هذا الواقع كان ليكون أخفّ وطأة لو أنّ هذه الشركات التزمت بتركيب العدّادات الذكية. وبحسب النائب أنطوان حبشي فإن "عدد العدادات المركبة لم يتجاوز 6000 عداد فيما المطلوب كان تركيب 1.2 مليون عداد. أما بالنسبة إلى الهدر فقد ارتفع من حوالى 20 في المئة قبل العام 2010 إلى نسبة تتراوح بين 45 إلى 50 في المئة". أكثر من ذلك يفيد بيضون أنّ "التقصير لم يقتصر على عدم تركيب العدّادات الذكية ضمن المهلة المحددة فحسب، إنما محاولة فرض عدّادات دون النوعية المطلوبة. وعند مجابهة الشركات بالحقائق وبأن العدّادات لا تستوفي الشروط أخضعوها للاختبار في المختبرات فيما الأصح تجربتها على أرض الواقع، وهذا ما لم يحصل. وكان هناك محاولة للالتفاف على الأصول وتكبيد الخزينة مبالغ أكثر من المتوجب وتركيب عدّادات ليست بالجودة المطلوبة".
الكلفة باهظة
الأكيد أن مشروع الاستعانة بمقدمي الخدمات لم ينجح وساهم بتعزيز انهيار المؤسسة مالياً. فكلفة المشروع فاقت المليار دولار مع العلم أن الكلفة المقدرة على مدار 4 سنوات تقدر بـ 780 مليون دولار، بما فيها تركيب العدّادات الذكية بكلفة 400 مليون دولار. وهذا ما يطرح التساؤل عن فرق الكلفة وكيف وظّف أو من استفاد منه.
الاستمرار الخاطئ
في الوقت الذي كان يتطلب فيه هذا الواقع معالجة الخلل، وافق مجلس الوزراء على إضافة وزيرة الطاقة على الخطة المرسومة للكهرباء بنداً جدلياً ينص على "تعزيز دور مقدمي الخدمات". هذه العبارة الواسعة، الغامضة وغير المفهومة يحاولون اليوم ترجمتها بتوسيع عمل الشركات وتوليها عمليات التوزيع من ألفها إلى يائها"، بحسب بيضون. "مع العلم أن جواب ديوان المحاسبة كان واضحا لجهة تطلب هذا الأمر تعديل النظام المالي للمؤسسة وتعديل قانون إنشائها.
كما ألزمت وزارة الطاقة مؤسسة كهرباء لبنان بالتعاقد مع مقدمي الخدمات في العام 2012، وتدخل الوزير شخصياً للضغط على مجلس الإدارة ورئيسه للقبول بالتعاقد، عليها اليوم أن تلاقي المخرج. والأكيد ليس الحل بتجديد التعاقد مع هذه الشركات التي ثبت أنها تأخذ منحى الفشل بعد عامين فقط على التعاقد معها"، بحسب بيضون إنما بالعمل على استعادة المؤسسة صلاحياتها وتعزيز مواردها البشرية والقيام بكل الإصلاحات الإدارية والتقنية والهيكلية المطلوبة.