وليم بطرس - رئيس النقابة اللبنانية للدواجن
لم يعد تحفيز الإنتاج الوطني عبر زيادة الإستثمار في القطاعات الإنتاجية مجرد خيار، لا بل أضحى ضرورة في ظل الأزمة الإقتصادية وانهيار الليرة اللبنانية بشكلٍ قياسي خلال عامين وكذلك الفجوة الكبيرة بين الصادرات والواردات وارتفاع معدلات البطالة والفقر المقدّرة بـ74 % بحسب لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (إسكوا).
في مختلف بلدان العالم، تلجأ الدّول إلى الإجراءات اللازمة لتصويب ميزانها التجاري في هذه الحالات. حتى أنّ منظمة التجارة العالمية WTO، والتي لم ينضم إليها لبنان حتى الآن، تكفل هذا الأمر لمدة مؤقتة في المواد (12 و18:ب) من اتفاقية GATT، وكذلك في «إعلان التدابير التجارية المتخذة لأغراض ميزان المدفوعات» المعتمد في 28 تشرين الثاني 1979. كما تسمح للدول باتخاذ الإجراءات اللازمة لردم الهوة بين صادراتها ووارداتها في حالات مماثلة للبنان.
مصر على سبيل المثال، فرضت قيوداً في كانون الأول 2015 حين ارتفع عجز ميزانها التجاري، وذلك للحد من فوضى الإستيراد العشوائي في ظل شح مواردها من العملة الصعبة.
وفي هذا الإطار، من الضروري أن تترافق هذه الإجراءات بتحديد المنتجات المحمية من خلال دراسة تحدّد ما يمكن إنتاجه محلياً، والمنتجات المهمة للأمنين القومي والغذائي، وأيضاً المنتجات التي يمكن تطويرها وتصديرها.
ومن الضروري أيضاً أن يصاحب زيادة التعرفة على المنتجات المنتجة محلياً، تنفيذ خطة تتضمّن رؤية وأهداف وإجراءات تحفيزية من شأنها زيادة الإستثمار ليس فقط في المصانع في لبنان كما ورد في المادة 100 من مشروع موازنة 2022، إنّما ايضاً في المزارع المرخّصة، خصوصاً أنّ مرتبة لبنان تأتي في المرتبة 142 على مؤشر سهولة ممارسة الاعمال عالمياً، بما يؤكد أنّ العوائق أمام زيادة الإنتاج الوطني والإستثمار ليست فقط ماليّة إنما إدارية أيضاً.
بالتأكيد، إن التركيز على المَزارع نابع من كون قطاع إنتاج البروتينات في لبنان قابل للتطوير وقادر على تحقيق طفرة، وعلى رأسه قطاع الدواجن الذي يعتبر الأكثر تطوراً في المنطقة، وهو يؤمّن الإكتفاء الذاتي وقادر على تصدير البيض والمنتجات المصنّعة. يليه قطاع الألبان والأجبان، الذي يوفّر 40 % من إحتياجات لبنان من حليب الألبان والأجبان المحلية التي اذا ما وضعت استراتجية لاستيفاء شروط التصدير للإتحاد الاوروبي وتوفير حماية جغرافية لأسماء بعض منتجاته الفريدة «Appellation d›origine controlee» من شأنه خلق مصدر واعد للعملة الصعبة. وهناك أيضاً قطاعا تربية الخنازير والأسماك شبه الغائبَين عن لبنان، ففيما نستورد عشرات آلاف الأطنان منها من دول مجاورة فإن جزءاً غير بسيط من أعلافها يمكن إنتاجه محليا من خلال إعادة تدوير منتجات ثانوية من قطاعات اخرى.
ومما لا شك فيه، إن من شأن زيادة نسب الإستثمار في المصانع والمزارع المرخّصة تسريع الإنتاج الوطني عبر تقليل مدة الدراسات المطلوبة للترخيص ومدة الإنشاء وتكلفة المشاريع في ظل أزمة مصرفية أدّت لإيقاف تمويل القطاع الخاص، كذلك خلق فرص عمل جديدة، إذ من غير المقبول أن لا يتعدى حجم القوى العاملة في القطاعين الصناعي والزراعي الـ260,000 عامل، في حين أن حجم العمالة في القطاع العام يقدر بـ360,000، فضلاً عن أن من شأن ذلك تحقيق زيادة فورية ومستدامة في عائدات الخزينة مما يمكن فرضه من ضرائب مباشرة على الاستثمار الاضافي.
في المحصلة، من المهم التشديد على أنّه ليس هناك قطاع زراعي قادر على الإنطلاق من دون توفير الحماية أو الدعم الى حين يتمكّن من إثبات نفسه وتصريف إنتاجه في الأسواق المحلية واكتساب ميزات تنافسيّة كمرحلة أولى تسبق التصدير.
وفي هذا المجال، لا بد أيضاً من أن تأخذ الدولة والمستهلكين بعين الإعتبار الفارق في المواصفات وفي ممارسات الإنتاج بين المنتجات اللبنانية وبين المنتجات المستوردة، والتي تجعل كلفة إنتاج الأخيرة أقل من مثيلاتها اللبنانية بأكثر من 50 %، هذا من دون ذكر موضوع دعم الدول المصدّرة لمزارعيها.
وهنا لا بد من اعتماد رؤية استراتيجية تنبثق منها المواصفات الوطنية، إنطلاقاً من هذه الرؤية إذا كنا نريد انتاج لحوم رخيصة، فعلينا تعديل مواصفاتنا، وإذا اردنا منتجاتنا ذات جودة عالية فيجب منع الإستيراد من الدول التي لا تتوافق مواصفاتها مع الشروط التي نعتمدها لجهة النوعية وسلامة الغذاء، وهذه امور مشروعة دولياً، فمثلاً، الولايات المتحدة الأميركية، الدولة المؤسسة للـWTO، تمنع استيراد الدواجن البرازيلية لهذه الأسباب. والدنمارك العضو في الإتحاد الاوروبي تمنع استيراد الدواجن الأوروبية لأراضيها بسبب فروقات المواصفات بين الدولة العضو ومجموع الإتحاد.
وهناك أيضا خلافات قواعد المنشأ في اتفاقية تيسير العربية خاصة في ما يخص المنتجات الزراعية، فلبنان عانى ويعاني حالياً من مزاحمة منتجات عربية مصنعة من لحوم أجنبية مستوردة تدخل الأراضي اللبنانية معفية من الجمارك على أنها من مصدر عربي من دون أي معرفة لشروط إنتاجها الصحية ومواصفاتها في بلادها الاصلية.
على هذا الاساس، من الضروري أن يكون هناك حماية لقطاع الدواجن عبر منع الإستيراد لمنتجات الدواجن حتى تعديل الحد الأدنى للاستيفاء الجمركي ليواكب قيمة الدولار الفعلية في الاسواق حتى يتمكن القطاع من التقاط أنفاسه.
هناك الكثير من الدول التي سلكت طريق الحماية لقطاع الدواجن، فالعراق والأردن وسوريا يمنعون حالياً استيراد الدواجن بهدف زيادة إنتاجهم أو حمايته. وهناك دول تضع عراقيل صحيّة وتقنيّة أمام الإستيراد كدول الإتحاد الأوروبي وروسيا والولايات المتحدة الأميركية. ولروسيا تجربة منيرة في مجال تطوير الزراعة، فبعد أن منعت استيراد المنتجات الزراعية من الدول التي وضعت عقوبات اقتصادية عليها سنة 2014 تحولت من دولة مستوردة للمنتجات الزراعية في حينها الى دولة مصدّرة، ونذكر القمح التي باتت أكبر مصدّر عالمي له.
أمّا الدول الاكثر ثراء كالمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، فتقومان بتقديم دعم مادي للمزارعين لإنشاء قطاع دواجن.
كذلك فإنّ للبنان تجارب في هذا الإطار. وبعدما قام بزيادة الرسوم الجمركية على استيراد البيض في سنة 1960، وكان إنتاجه حينها 58 مليون بيضة ويستورد 15 مليون بيضة، تحوّل من دولة مستوردة للبيض إلى دولة مصدّرة الى مختلف الدول العربية في مدة 5 سنوات فقط، ووصل إنتاجه في سنة 1964 الى 204 ملايين بيضة.