ميشال نصر - الديار
مشهدان غريبان عجيبان. مساء الاربعاء مجموعات «حزبية بغطاء حراكي» تهاجم مصرف لبنان، وصباحا «حفلة تسكير طرقات وشل للبلد تكفل بها بضع مئات،سربوا ظهرا الى «بيوتهم» «مبسوطين» بانخفاض سعر الدولار،على وقع بيان رئاسي اكمل ما بدأه رئيس التيار الوطني الحر، ووزير خارجية يبشر بالغاز المصري وعودة المفاوض الاميركي قريبا،وكأن «الدني بالف خير من الله».
هذا الجو خلق وضعاً ضاغطاً، تُرجم تحذيرات من «غضب الشارع»،»ما حدن قبضو جدّ»، لا سياسياً ولا أمنياً. ففي منطق السياسة والمصالح،يشكل ما حصل علامة فارقة، بالنسبة للصف المؤيد لرئيس الجمهورية،كما للمراقبين المحايدين،خصوصا عند وصف ما حدث برسالة من «الاستيذ» «للجنرال»، لم تفهم معانيها عمليا، ذلك انه سبق له منذ يومين ان سدد هدفا «اقوى بكتير» في شباك بعبدا، يوم امتنع عن حضور المشاورات الثنائية، مبديا ترحيبه بالجلوس الى طاولة الحوار الجماعية،»مطيرا» الحوار من اساسه.
اذا ثمة قطبة مخفية في ما حصل بالامس، اكيدها الوحيد ان الحراك بكل مكوناته كان خارج المشهد واللعبة، حيث كانت السلطة تلاعب السلطة، حيث جرى تسريب معلومات عن خطة مالية موضوعة هدفها تحرير سعر صرف الدولار، بالتكافل والتضامن بين اركان الدولة السياسيين والماليين، والتي بالتأكيد تصب في خدمة رئيس الحكومة، «المحشور» في تقديم ورقة ما لوفد الصندوق الدولي، في ظل انكشاف «خدعة الموازنة»، العالقة عند النقطة الأبرز والاصعب الخاضعة للدرس في الوقت الراهن، وهي سعر صرف الدولار الذي سيتم اعتماده في إعدادها، بحسب المصادر،واستمرار تعطيل مجلس الوزراء،وما قد ينجم نتيجة «وجهات النظر» حول الجدل القانوني المتعلق بمواضيع الدورة الاستثنائية لمجلس النواب.
عزز هذه النظرية تصريح رئيس التيار الوطني الحر من القصر الجمهوري امس، حيث فتح نيرانه في كل الاتجاهات، مصوبا على الحزب «الذي ما منمون عليه»،وعلى رئيس الحكومة الشريك بالتعطيل، مطلقا كلمة السر» بين حكومة ما بتجتمع وبلا حكومة افضل بلاها». كلام «الصهر» اكد عليه بيان المكتب الاعلامي للرئاسة الذي اتهم معرقلي عجلة العمل الحكومي، بان هدفهم عرقلة خطة التعافي الاقتصادي والمعالجات الواجب اقرارها لتنفيس الاحتقان الشعبي،اي «بالمشبرح» ما معناه ان الثنائي يتحمل مسؤولية ما آلت اليه الاوضاع الاقتصادية،من منع لإيجاد حلول للأمور المعيشية والارتفاع الجنوني للدولار،وهو ما عبرت عنه تغريدة النائب زياد اسود حين قال:»ان غضب التعطيل وغضب التشبيح توأم روحي ابدي»،علما ان البرتقاليين يؤكدون ان مسألة «قبع البيطار صارت ورانا» وحارة حريك تدرك تلك الحقيقة تماما.
ولكن، هل سيسكت عون و»يبلع الموس»؟ أم ينام على ورقة سيلعبها عندما تحين اللحظة؟ وهل كانت الدعوة محاولة للحصول على تغطية سياسية غير مباشرة لقرارات قد تُتّخذ في المجلس الأعلى للدفاع بعدما شُلّت الحكومة وعُطّلت؟
أحدٌ لا يمكنه التكهّن بخطوة رئيس الجمهورية التالية، إلاّ أن فريقه وضع أكثر من سيناريو للتعامل مع المستجدات وفقاً للمقتضى، وإن كان ثمة من يرى أن المكتوب يُقرأ من عنوانه، وبالتالي، لا داعي «للعذاب»، خصوصاً أن أي ترحيبٍ دولي لم يصدر عن أية جهة.
فالسياسة في لبنان «ما عاد إلها طعم»، «فكلّو معطّل»، حتى عمل شيوخ الصلح «واقف»، هم الذين يعيشون عادةً «عالأزمات». فالدولار «طلوع نزول فاتح عا حسابو»، «مشنغل» معه الدواء والمحروقات والطعام و»قد ما بِتطّال إيدك تطّال»، فيما وحده الحدّ الأدنى إلى نزول، وبإذنه تعالى في غضون أيام، سنكسر رقم الصومال، لنحتلّ المركز الأول «مِن تحت»، فأبشروا خيراً في جهنّم «اللّي ناطرتكن».
في انتظار ما قد تحمله الساعات وربما الايام القليلة المقبلة من مفاجأت، انتهى يوم امس الى صفر نتيجة، والى مشاركة هزيلة، لم «تستفز» حتى القوى الامنية لتنفيذ عملية انتشار او تضطرها للتدخل، كذلك الى نكسة جديدة للعهد، مع اعلان بعبدا ارجاء حوارها، بعد ساعات من تأكيد «صهرها» انه سيعقد في موعده. فما الذي طرأ خلال الساعات الماضية ونسف كل ما كان يحضر ميدانيا وسياسيا،ليعاد خلط الاوراق من جديد؟