مصطفى فحص
أول من أمس وصلني تعليق ساخر على تطبيق «واتساب» يصف حالة الجالية اللبنانية في دول مجلس التعاون الخليجي. مضمون التعليق استوقفني كثيراً كونه يعني قسماً من أفراد عائلتي المقيمين في إمارة دبي الإماراتية وفي مدينة جدة السعودية، وأحسست بأن حس الفكاهة في النص يخفي عتباً قاسياً وفقداناً للأمل في البلد الأم. يقول التعليق باللهجة العامية «خالتي محاسن يا حرام كل أولادها رهائن... عندها رهينتين بالسعودية عم يبعتولها كل شهر 600 دولار، ورهينة بالكويت بيشتغل بالنفط، وبنتها عطور اتجوزت ابن عمها وراحت رهينة عا دبي».
في شهر أغسطس (آب) سنة 2020 قررت شقيقتي بادية مغادرة بيروت نهائياً إلى إمارة دبي، حيث تقيم وتعمل ابنتها الرهينة وزوجها منذ سنوات، والسبب أنهما (الأم وابنتها) كغيرهما من لبنانيين كثر لم يظفرا بفرصة عمل في بيروت بسبب ضيق الفرص، إضافة إلى المحسوبيات الحزبية والطائفية التي تحكمت بالقطاعين العام والخاص، فكانت الهجرة هي السبيل الوحيد لبداية حياة جديدة، ولتبقى على مقربة من ابنتها الكبرى وحفيدتيها المقيمات في مدينة جدة السعودية، حيث يدير صهرها شركة عائلية خاصة ورثها الأحفاد عن جدهم «الرهينة» الذي هاجر إلى السعودية في الأربعينات.
المفارقة، أن شقيقتي غادرت بعد 27 سنة من العمل داخل مؤسسات الدولة الرسمية، للبحث عن فرصة عمل جديدة، وكأنها بداية حياة جديدة، وكغيرها من عشرات آلاف اللبنانيين الذين كانوا يخططون لتقاعدهم وصدموا بأن عملهم لعقود قد تبخر وأصبح تقاعدهم بلا قيمة، بعدما فقدت العملة الوطنية قرابة 90 في المائة من قيمتها نتيجة لفشل منظومة السلطة الفاسدة في إدارة الدولة.
لذلك قررت شقيقتي، كما حال الكثير من اللبنانيين، في النصف الثاني من العمر، أن تبدأ من الصفر، وكان خيارها الوحيد اللجوء، وهكذا انضمت إلى المخيمات التي يقيم فيها الرهائن اللبنانيون في دول الخليج العربي، الذين لا توجد إحصاءات رسمية بأعدادهم، فالبعض يؤكد أنهم بمئات الألوف، ولكن ما هو ثابت في الأرقام الاقتصادية أن هؤلاء الرهائن يحولون إلى لبنان سنوياً قرابة 7 مليارات دولار، وهذا الرقم يعتقد الجميع أنه أحد أهم أسباب صمود اللبنانيين وعدم انفجار الفوضى الاجتماعية.
إذن، هم رهائن ملتزمون بالقانون، يقومون بواجبهم الوظيفي بكامل إرادتهم ويتقاضون عنه ما يستحقونه، يعيشون أقله في أمان، حيث تتوفر لهم الكهرباء والكثير من الخدمات الضرورية التي تحولت في لبنان إلى كماليات، وقد اعتادوا على الالتزام بالقوانين، خصوصاً السير والتوقف عند إشارات المرور، أما في جمهورية الممانعة في بيروت وشوارعها وإشاراتها المطفأة بسبب عدم توفر الطاقة، أو بشكل أوضح في بلد الشعارات الرنانة، لم يعد شيء متوفراً. جمهورية الطوابير كما كان يقف السوفيات بالمئات في طوابير الخبز فيما ترسانة الكرملين الصاروخية معطلة نتيجة التسويات بين الدول الكبرى وشروط الأمن الدولي، صواريخ كانت قادرة على تدمير العالم، لكنها لم تسد رمق الروس ولا سكان الاتحاد السوفياتي الذي سقط اقتصادياً واجتماعياً.
الكلام عن مواطنين بمئات الآلاف ووصفهم سياسياً بالرهائن له بُعدان؛ سياسي أساسي، الأول هناك من يريد أن يجعلهم وقود معركته ضد دول الخليج، ويخطط لاستفزاز هذه الدول حتى يحدث ما يتمناه، وتكون فرصة لتبرير موقفه بمفعول رجعي (لو كنت أعلم)، كما أن البُعد الثاني هو الخوف من صوت المغتربين، وهناك من سيقول إن المواطنين لن يختاروا بملء إرادتهم لأن هناك من يجبرهم على الاختيار، وهو يهددهم في لقمة عيشهم، كما أن الترويج لفكرة الرهائن سيساعد على إلغاء تصويت الخارج تحت حجة النفقات، حيث بدأت الخلافات على التمويل تظهر بين وزارتي الخارجية والداخلية.
عود على بدء، إلى رهائن «الخمس نجوم» وإلى الطامحين الجدد للإقامة في مخيمات الرهائن قبل أن تصبح إقامته في بلده أشبه بمخيمات اللجوء بعدما أصبح بلده مرهوناً، حيث هناك من أخذ أكثر من 4 ملايين لبناني رهينة لمشروعه.