النهار
لم يكن العجز عن إخفاء الاضطراب الواسع الذي ساد كواليس المقار الرئاسية والسياسية امس فيما كان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس يمضي يومه الثاني الحافل بالمحطات والمواقف حيال الوضع اللبناني سوى دليل على اقتراب بت "شيء ما" في الساعات المقبلة سيكون هو المفصل الحاسم في كشف ما اذا كانت ثمة صفقة سياسية حصلت تحت طاولة المجلس الدستوري ام طارت ولم يقيض لها النجاح. ذلك انه لم يكن طبيعيا ان تنشغل أوساط رئاسية وحكومية وسياسية بإطلاق العنان لنفي معطيات او شائعات أطلقت على نحو مدروس لو لم يكن الامر على طريقة "كاد المستريب ان يقول خذوني".
ارتفعت حمى هذا الاضطراب وراء مشهد "البهجة" التي اثارها حضور المسؤول الأول الأممي الى بيروت ولقاءاته منذ الصباح الباكر مع عدد من الرؤساء الدينيين ومن ثم زيارته لموقع الانفجار في مرفأ بيروت ومن ثم زيارته لعين التينة فالسرايا حيث الاجتماعات الموسعة ومن بعدها زيارته لطرابلس. ومع كل ذلك كان الاحتدام يتصاعد على وقع التسريبات المتعمدة التي أرفقت لاحقا بنفي من مواقع سلطوية معروفة حول مقايضة يجري إنضاجها على نار القرار الذي سيصدره المجلس الدستوري في شأن مراجعة الطعن التي قدمها "تكتل لبنان القوي" في تعديلات قانون الانتخاب. وفيما حضر الملف في زيارة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الى عين التينة وغادر ميقاتي مسرعا وأجاب من دون حجب غضب ساوره عن سؤال عما إذا نجحت "الصفقة" الجاري العمل عليها "نحن غير معنيين بهذا الموضوع "ساد ترقب الاوساط السياسية رصدا لما سيصدر عن المجلس الدستوري اليوم بعدما انعقد أمس بكامل اعضائه العشرة واستكمل البحث في الطعن.
وأفادت معلومات لـ"النهار" أن المجلس الدستوري رفع اجتماعه، وأرجأ قرار الحسم إلى اليوم بعدما لم يستطع الأعضاء التوافق على صيغة مشتركة تقضي بردّ الطعن أو قبوله، وبالتالي انقضت الجلسة إلى لا قرار. وفي حال قرّر المجلس قبول الطعن فيما يتعلّق تحديداً بانتخاب 6 نواب عن المغتربين فإن ذلك لا يستدعي تعديل تشريعي جديد من قبل مجلس النواب لأن الانتخابات تجري وفقاً للقانون النافذ رقم 44/2017، الذي يلحظ إجراء انتخابات 6 مقاعد للمغتربين عن عام 2022، وبالتالي التعديلات تجري فقط على إجراءات وزارة الداخلية. وأمام المجلس الدستوري مهلة تنقضي غداً فإذا استمرّ الوضع بما هو عليه، سيعلن رئيس المجلس القاضي طنوس مشلب أن لا قرار بشأن الطعن، بما يعني أن قانون الانتخاب المعدل في جلسة 13 تشرين الثاني يصبح بحكم النافذ. ويذكر أن النصاب القانوني للمجلس الدستوري هو 8 من عشرة أعضاء والقرار يجب يتخذ بأكثرية 7 أعضاء.
والحال ان المعلومات المتصلة بمجريات ما حصل في الساعات الأخيرة اكدت ان الرئيس نجيب ميقاتي نسف فعلا صفقة كان يجري العمل على إنضاجها بين الثنائي الشيعي من جهة ورئاسة الجمهورية ورئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل من جهة أخرى وتقوم على ربط قرار يصدره المجلس الدستوري خصوصا في موضوع تصويت المغتربين يلائم تكتل لبنان القوي بتكريس ابعاد المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار عن الشق المتعلق بمحاكمة الرؤساء والوزراء والنواب .كما تردد ان الصفقة لو سارت لكانت ستتمدد نحو إقالات لأركان القضاء واجراء تعيينات انقلابية مكانها . ومع ان اوساط بعبدا و"التيار الوطني الحر" سارعت الى نفي اي "مقايضة على حساب العدالة"، علمت "النهار" ان ميقاتي سارع إلى لقاء بري وإبلاغه بوضوح رفضه أي طرح مماثل واي صفقة مماثلة ورفضه ان يكون شاهد زور على أي اتجاه كهذا.
وفي وقت لاحق أصدر المكتب الاعلامي للرئيس ميقاتي بيانا جاء فيه "يتم منذ بعد ظهر اليوم (امس) تداول اخبار وتسريبات تتناول موقف دولة الرئيس ميقاتي في اعقاب الاجتماع الذي عقده مع دولة رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة.
وفي هذا السياق ينبغي ايضاح الاتي: لقد كرر الرئيس ميقاتي، خلال الاجتماع، موقفه المبدئي برفض التدخل في عمل القضاء باي شكل من الاشكال، او اعتبار مجلس الوزراء ساحة لتسويات تتناول مباشرة او بالمواربة التدخل في الشؤون القضائية بالمطلق، كما كرر الرئيس ميقاتي وجوب ان تكون الحلول المطروحة للإشكالية المتعلقة بموضوع المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء مناطة بأحكام الدستور دون سواه، من دون ان يقبل استطرادا باي قرار يستدل منه الالتفاف على عمل المؤسسات. إن دولة الرئيس ميقاتي ابلغ هذا الموقف الى فخامة الرئيس ميشال عون ودولة الرئيس نبيه بري، وهو موقف لا لبس فيه على الإطلاق. كما ان دولته مستمر في مهامه وفي جهوده لحل قضية استئناف جلسات مجلس الوزراء، واي موقف لاحق قد يتخذه سيكون مرتبطا فقط بقناعاته الوطنية والشخصية وتقديره لمسار الأمور".
برّي: ولا من يصفقون
وردا على سؤال لـ"النهار" نفى رئيس مجلس النواب نبيه برّي حصول اي اشكال بينه وبين الرئيس نجيب ميقاتي في اجتماعهما امس. وأوضح "انا لا اسير بأي صفقة ولا من يصفقون. وان كل ما تم تداوله ورد على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل إعلامية. وثبت ان لا اساس لكل هذا السيناريو الذي جرى تركيبه ولم اشارك فيه في الاصل. وثمة طروحات مشبوهة جرى تسويقها ولا اساس لها من الصحة ولا الدقة. وهذا ما قلته لرئيس الحكومة وتفهم الرجل هذا الامر. ولا مشكلة بيننا وعلاقتنا ممتازة ولا حاجة لتأكيد هذا الامر. ولست من يشارك في صفقة على حساب موقع رئيس الحكومة وشخصه. وانا ما زلت على موقفي بان يعمل القضاء على تصليح نفسه".
واستغرب برّي الحديث عن صفقة مع" التيار الوطني الحر" وحركة "امل" في وقت يتبادل فيها الطرفان الردود والاتصالات.
وفي غضون ذلك استبعدت مصادر قريبة من رئاسة الجمهورية خروج المجلس الدستوري اليوم بلا قرار. واستغربت عدم التوصل الى تأمين نصاب قانوني (وليس نصابا سياسيا ) بسبعة أصوات لاتخاذ قرار ودعت الى انتظار قرار المجلس الدستوري خصوصا في قضية أكثرية التصويت في المجلس النيابي وفق المادة 57 وسألت "هل يجوز اعتماد أكثرية 59 صوتا بدلا من 65 من الأعضاء الذين يؤلفون المجلس النيابي قانونا والدستور واضح في هذه المادة ".