هل جاء غوتيريش لفتح مرحلة جديدة بالتعاطي مع أزمة لبنان؟
هل جاء غوتيريش لفتح مرحلة جديدة بالتعاطي مع أزمة لبنان؟

أخبار البلد - Tuesday, December 21, 2021 6:00:00 AM

محمد بلوط - الديار

لا يملك الامين العام للامم المتحدة السيد انطونيو غوتيريش في زيارته للبنان سوى الدعاء. فالمنظمة الدولية ليست في احسن احوالها، والمؤسسات التابعة لها في حالة تقشف شديد، الا لحساب تشجيع النازحين على البقاء في الدول المجاورة لدولة النزوح، فالمهم ان لا يتدفقوا مجددا الى اوروبا ويصل بعض ارتالهم الى الولايات المتحدة وكندا.

 
ومعروف ان الامم المتحدة، التي تتخذ نيويورك الاميركية مقرا رئيسيا لها، اخذت تتأثر اكثر بضغوطات وارادة الولايات المتحدة الاميركية، بعد تفكك وزوال الاتحاد السوفياتي، والمنظومة الاشتراكية، لذلك يحرص غوتيريش مثل من سبقه على المحاولة قدر الامكان ان يلعب دورا حياديا، شرط الا يستنفر عداوة الادارة الاميركية او يستفزها.

واذا كانت الازمة اللبنانية ناجمة عن الفساد الذي اكتسح كل مفاصل الدولة، فان الحصار الذي يتعرض له لبنان منذ اكثر من سنتين يشكل عاملاً مهما واساسياً في تفاقمها والانهيار الذي نشهده اليوم.

وفي ظل القصاص الذي يتعرض له لبنان منذ ما قبل 2019 بقيت الامم المتحدة تراقب عن بُعد، وتكتفي بالبيانات والنداءات في المناسبات المختلفة، وكأنها تقول انه «ما في اليد حيلة»، مع العلم ان حجم النزوح السوري الى لبنان كان يفترض ان تستنفر الامم المتحدة ليل نهار ليس من اجل اغاثة النازحين، وهذا امر مطلوب، بل ايضا من اجل اغاثة لبنان واللبنانيين الذين استفاقوا على كارثة تحل بهم جراء فساد حكامهم والقوى المشاركة في السلطة، وبسبب تداعيات ازمة النازحين السوريين الذين فاق عددهم ثلث عدد سكان لبنان.

والى جانب تقصيرها، ساهمت وتساهم المنظمة الدولية في تحويل قضية النازحين السوريين الى ازمة يصعب التكهن بمسارها، فلم تبادر الى عقد مؤتمر خاص لبحث مصير النازحين السوريين في دول الجوار، ولم تلتفت الى لبنان للتخفيف عنه، واجبار المجتمع الدولي على تحمّل مسؤولياته تجاهنا في هذا الشأن.

لم يأت غوتيريش، كما عبّر هو شخصيا، الا برسالة واحدة هي التضامن مع الشعب اللبناني. لكن السؤال المطروح منذ بدء الازمة كيف يمكن ترجمة هذا التضامن؟ صحيح ان اللبنانيين عانوا ويعانون من فساد حكامهم ومافيات المصارف، الا انهم ايضا يدفعون الثمن غاليا ويخضعون لقصاص يتجاوز كل حدود.

فالامم المتحدة لم تنظر حتى الآن الى مشكلة النازحين السوريين، الا من منظار الاغاثة وبانتظار حل الازمة السورية (وفق قاموسها). ولم تلعب الدور المطلوب والفاعل في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية مع العدو الاسرائيلي، فتركت هذا الامر بيد الادارة الاميركية التي تعاملت مع هذا الملف من خلال تحقيق مصلحتها وانحيازها «لاسرائيل» متجاهلة ما اقدمت وتقدم عليه من اجراءات وخطوات لسرقة ثروتنا النفطية.

وفي الامرين، قضية النازحين السوريين وترسيم الحدود البحرية، كان يمكن للامم المتحدة ان تلعب دورا فاعلا وايجابيا تجاه لبنان، وهي قادرة على استدراك ما فات من وقت وزمن لممارسة هذا الدور في المرحلة المقبلة، فتكون قد تضامنت فعلاً مع الشعب اللبناني، اذ ان التخفيف عن لبنان من معاناة واعباء جراء وجود هذا الكم الهائل من النازحين، يُعتبر خطوة تضامنية مهمة للغاية مع لبنان واللبنانيين. كما ان الدفع في اتجاه انهاء وحسم ترسيم الحدود البحرية يفتح لنا باب الاستثمار على ثروتنا النفطية ويساهم مساهمة كبيرة في اعادة استنهاض اقتصادنا.

ويقول مصدر سياسي في هذا المجال، ان الامين العام، ركز في تصريحاته بعد لقاءاته مع المسؤولين على مطالبة المجتمع الدولي بمساعدة لبنان، وهي دعوة تكررت على لسان الامم المتحدة وبعض الدول لا سيما فرنسا، لكنه يدرك ان لبنان لم يعد يعوّل على مثل هذه الدعوات بقدر ما بات محتاجا الى فعل حقيقي يخفف من الحصار الذي يتعرض له.

وهذا لا يعفي السلطة اللبنانية من مسؤولياتها تجاه ما نشهده من انهيار خطير، فالحكومة عاجزة عن الاجتماع بسبب انسداد آفاق الحلول والمخارج لمشكلة القاضي البيطار حتى الآن، والمفاوضات مع صندوق النقد لم تتبلور معالمها بعد، عدا عن تأخر المعالجات الملحة والحلول الموقتة والجزئية لأزمة الكهرباء التي تعبّر عاملا اساسيا من العوامل التي تفاقم ازمة المواطنين.

واذا كان غوتيريش لم يحمل معه افكارا عملية لمساعدة لبنان، الاّ ان زيارته تحمل بعدا معنويا بأن المجتمع الدولي مهتم اليوم بالوضع المتفاقم في لبنان وانعكاساته على المنطقة، ومهتم ايضا بعدم انزلاقه الى تصنيف الدولة المفلسة.

ويلفت المصدر في هذا المجال الى البيان الذي صدر منذ ايام عن الادارة الاميركية حول لبنان، واشارته الى سعي واشنطن لعدم تحول لبنان الى دولة مفلسة.

وبرأي المصدر ان توقيت زيارة الامين العام للامم المتحدة أمر محسوب، لاسيما ان الازمة اللبنانية وصلت الى درجة خطيرة يمكن ان تؤدي الى انفجار يتجاوز حدود لبنان.

ومع انه من المستبعد التعويل على دور كبير للمنظمة الدولية من اجل انقاذ لبنان، الا ان زيارة غوتيريش تعطي انطباعا بأن المجتمع الدولي لا يريد سقوط لبنان في الهاوية او ان يتحول الى دولة مفلسة. من هنا يمكن معرفة الرسالة التي جسدتها وتجسدها زيارة الامين العام للامم المتحدة للبنان.

فهل تكون هذه الزيارة نقطة تحول في التعاطي مع الازمة اللبنانية؟ وهل تأتي السنة الجديدة ببشائر تغيير في مسار هذه الازمة وبداية للحلول التي يعقد اللبنانيون عليها آمالهم؟ 

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني