"أنا اليوم هنا للتضامن مع الشعب اللبناني"... لكي لا تُفهم زيارته خطأ ومنعاً لاستثمارها من قبل السلطة الساقطة أخلاقياً وسيادياً وسياسياً أمام أعين المجتمعين العربي والدولي، حرص الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش على أن يستهل تصريحاته من المطار بهذه "الرسالة" وتأطير مراميها التضامنية ضمن إطار محدّد المعالم يقتصر على دعم اللبنانيين لا حكامهم... وهي "رسالة واحدة بسيطة" عاد فأكد من قصر بعبدا على أنه أبلغها شخصياً لرئيس الجمهورية ميشال عون "وهي أنّ الأمم المتحدة تقف متضامنة مع الشعب اللبناني"، معلناً تحت هذا العنوان العريض نيته لقاء "شريحة كبيرة من قادة المجتمع السياسي والديني والمدني بهدف مناقشة كيفية تقديم المساعدة الأفضل للشعب اللبناني ليتغلب على الازمة الاقتصادية والمالية الحالية".
غير أنّ الرسالة التي حملها غوتيريش، وعبّر عنها خلال المؤتمر الصحافي المشترك مع عون أمس، تجاوزت في مضامينها النطاق التضامني مع اللبنانيين باتجاه ترسيخ "ثلاثية" دعم أممي للبنان "بجيشه وشعبه ومؤسساته الأمنية"، انطلاقاً من تشديده على أنّ "استمرار الدعم الدولي للجيش اللبناني والمؤسسات الأمنية الأخرى، هو أساسي لاستقرار لبنان الذي يواجه مرحلة صعبة للغاية"... أما لأهل الحكم في البلد، فرسائل المسؤول الأممي ارتدت طابعاً آخر أقرب إلى الإدانة والتنديد بسلوكهم الهدّام للدولة وفرص إنقاذها، إلى درجة المجاهرة بحثهم "على أن يستحقوا شعبهم"، وما يعنيه ذلك من كونهم بنظر الأمم المتحدة ليسوا أهلاً لتولي سدة الحكم والمسؤولية.
وفي معرض إضاءته على فشل الطبقة الحاكمة في ملاقاة طموح شعبها بإعادة "ترميم الاقتصاد وتأمين الفاعلية للحكومة ومؤسسات الدولة، وإنهاء الفساد والحفاظ على حقوق الانسان"، تطرق الأمين العام للأمم المتحدة بشكل غير مباشر إلى الخلل القائم على مستوى الأداء الحكومي والرئاسي في لبنان، مشدداً على أنّ "القادة السياسيين لا يملكون عند مشاهدة معاناة الشعب اللبناني الحق في الانقسام وشل البلد" مع تأكيده في الوقت نفسه على أنّ "رئيس الجمهورية اللبنانية يجب أن يكون رمزاً للوحدة"، ليخلص إلى تذكير اللبنانيين بأنّ "الانتخابات العام المقبل ستكون المفتاح، وعلى الشعب ان ينخرط بقوة في عملية اختيار كيفية تقدّم البلد".
وعشية "دقيقة الصمت" التي سيقفها غوتيريش في مرفأ بيروت تكريماً لأرواح ضحايا انفجار 4 آب، لوحظ أمس ضخ أجواء تصعيدية على جبهة الثنائي الشيعي تأكيداً على استمرار ربط النزاع الحكومي مع ملف التحقيق العدلي في الانفجار، بالتوازي مع تسريب معلومات متضاربة حول مسألة المقايضة التشريعية – القضائية التي يعمل "الثنائي" على إبرامها مع "التيار الوطني الحر" عشية انتهاء المهلة القانونية أمام المجلس الدستوري لإصدار قراره من عدمه في الطعن المقدم من تكتل "لبنان القوي" بتعديلات القانون الانتخابي. إذ أكدت مصادر مواكبة للملف أنّ "الاتصالات نشطت بشكل كبير خلال ساعات النهار (بالأمس) في محاولة لإنضاج تسوية سياسية بين الجانبين تعبّد الطريق أمام قبول المجلس الدستوري الطعن الانتخابي مقابل تغطية نواب "التيار الوطني" تمرير لجنة التحقيق البرلمانية في الهيئة العامة وسحب ملف التحقيق مع النواب والوزراء والرؤساء من يد المحقق العدلي القاضي طارق البيطار، غير أنّ المعطيات مساءً عادت لتشي بأنّ الأمور لا تزال تراوح مكانها في ظل عدم نجاح الاتصالات في التوصل إلى أرضية تسووية مشتركة بعد، ما يعزز فرضية عدم اتخاذ المجلس الدستوري قراراً بالطعن وترك التعديلات المطعون بها لتصبح نافذة حكماً... ما لم تحمل الساعات الأربع والعشرين المقبلة أجواء مغايرة".
في المقابل، وبينما يتحضر أهالي ضحايا انفجار المرفأ لتصعيد تحركاتهم رفضاً لمحاولات السلطة الخوض في لعبة "مقايضة" سياسية، حكومية، تشريعية، انتخابية، تطمس التحقيق العدلي وتهدر دماء أبنائهم، برز توصيف البطريرك الماروني بشارة الراعي للمسؤولين بأنهم أصبحوا بمثابة "أدوات اقتتال"، متسائلاً: "أليس من المعيب إن يصبح انعقاد مجلس الوزراء مطلباً عربياً ودولياً بينما هو واجب لبناني دستوري يلزم الحكومة؟ فكيف تمعن فئة نافذة في تعطيله باسم الميثاقية التي تُشوّه بينما هي قاعدة لتأسيس دولة تحقق أماني اللبنانيين جميعاً وتبعدهم عن المحاور والصراعات؟"، وشدد في ملف تفجير مرفأ بيروت على وجوب "جلاء الحقيقة ووقف التشكيك المتصاعد بعمل القضاء (...) وكأنّ الهدف ضرب عمل القضاء ككل وتحويل المجتمع إلى غابة إجرام متنقل دونما حسيب أو رقيب"، داعياً إلى ضرورة "استمرار التحقيق القضائي وأن تسقط الحصانات عن الجميع، ولو بشكل محصور وخاص بجريمة المرفأ، ليتمكن القضاء العدلي الذي تقدم كفاية من أن يستمع إلى الجميع من دون استثناء، أي إلى كل من يعتبره المحقق معنياً وشاهداً ومتهماً مهما كان موقعه، ومهما علا".