كلير شكر
بلا مقدّمات، قرر رئيس مجلس النواب نبيه بري أن يقود فجأة جبهة الاعتراض على المحقق العدلي طارق البيطار. هذه المرّة "بالمباشر" بعدما كان يحاول طيلة الفترة الماضية البحث في صيغ تسووية تسحب ملف ملاحقات الرؤساء والوزراء من بين يديّ المحقق العدلي، لتبقى بقية الملفات في عهدته، على قاعدة "لا يموت الديب ولا يفنى الغنم"، مع العلم أنّ "حزب الله" ومذ وقوع أحداث الطيونة قرر التعاطي مع المسألة وفق معادلة "الحكومة أو البيطار". ولهذا حصلت مقاطعة الثنائي الشيعي لحكومة نجيب ميقاتي التي أدخلت باكراً مدار تصريف الأعمال.
لم يتردد رئيس مجلس النواب في وصف المحقق العدلي بـ"المتآمر" وذلك على أثر لقاء الأخير وفد أهالي الموقوفين، حيث يبدو أنّ الكلام الذي قيل أن المحقق العدلي قاله في تلك الجلسة، أثار استياء المعترضين على سلوك البيطار، ما دفع الرئيس بري إلى التوجّه "بالمباشر" في انتقاده للمحقق العدلي، مع العلم أنّ وزير الثقافة محمد بسام المرتضى شنّ أكثر من هجوم سياسي على البيطار ومعه رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود.
هكذا، سارع المحقق العدلي وفور استئنافه التحقيقات، إلى الطلب بتنفيذ مذكرة التوقيف الصادرة منذ شهرَيْن في حقّ وزير المالية السابق علي حسن خليل، وبشكل فوري، مع العلم أنّ كلّ المؤشرات السياسية كانت في اتجاه البحث عن تخريجة تعيد إحياء جلسات مجلس الوزراء من جديد، فيما التطورات القضائية تثبت أنّ الأمور عادت من جديد إلى نقطة الصفر لترفع حدّة التوتر بين الجبهة المدافعة عن البيطار وتلك الراغبة في تطويق مهامه.
بهذا المعنى، ستصاب حكومة ميقاتي بمزيد من الضربات التي ستحول دون التئام مجلس الوزراء في القريب العاجل، رغم المحاولات التي يجريها رئيس الجمهورية ميشال عون لتجاوز مطب مقاطعة الثنائي الشيعي والضغط الذي يمارسه رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل للدفع باتجاه عقد جلسات لمجلس الوزراء "بمن حضر"... إلا أنّ ميقاتي لن يفعلها.
لن يقدم رئيس الحكومة على خطوة الدعوة لعقد جلسة لمجلس الوزراء طالما أنّ الثنائي الشيعي في مدار الاعتراض على البيطار، وذلك لأكثر من سبب. أول تلك الأسباب حرصه على عدم الدخول في مواجهة مع رئيس مجلس النواب و"حزب الله" من خلال محاصرتهما وتسجيل سابقة لا يريدها بعقد جلسة معتلّة الميثاقية. وثاني تلك الأسباب خشيته من وضع الملفات غير الشعبية على طاولة القرار النهائي، عشية انطلاق الحملات الانتخابية. اذ إنّ أهمّ ملفين سيواجهان الحكومة في المدى المنظور هما خطّة التعافي والمفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وكلاهما سيتضمنان بنوداً وشروطاً ستثير نقمة الناس وغضبهم ازاء الطبقة السياسية وستذكّرهم بما فعلته هذه الطبقة التي أوصلتهم إلى الحضيض. ولهذا لا يبدي ميقاتي الكثير من الحماسة لاثارة نقمة الشارع من خلال اضطراره لحسم الملفات الاقتصادية - المالية الأساسية خصوصاً اذا تبيّن أنّ تأجيل الانتخابات لفترة طويلة، غير متوفر أو غير ممكن بفعل الضغط الدولي، وقد تحصل خلال أشهر قليلة.
وعليه، يعمل ميقاتي على استبدال جلسات مجلس الوزراء بترؤس لجان وزارية علّها تنجح في تمرير الوقت بأقل الأكلاف الممكنة. إلا أنّ هذا النهج لا يلقى قبولاً من جانب رئاسة الجمهورية التي تصرّ على عقد جلسات لمجلس الوزراء من دون اضطرارها لإجراء مقايضة سياسية - قضائية كما يريدها الثنائي الشيعي. ويُرجح أن تشهد الأسابيع المقبلة تجاذباً بين الرئاسة الأولى والرئاسة الثالثة حول كيفية ادارة مرحلة "الموت السريري" وكيفية اتخاذ القرارات، اذا ما رفضت الرئاسة الأولى التوقيع على المراسيم الجوالة والموافقات الاستثنائية.