بقلم جان الفغالي- "أخبار اليوم"
يبقى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة "مادة إخبارية" حتى لو تحدَّث كلَّ يوم. كان مُقِلًّا في الكلام، ولكن بعد "الأوركسترا السياسية والإعلامية والنقدية والإقتصادية" التي توزِّع " ألحانها" على الصحف والمجلات والشاشات والإذاعات والمواقع الإخبارية وحسابات التواصل الإجتماعي، وجَد نفسه في موقِع المُلزَم بالرد وفق القاعدة العسكرية "الرد على مصادر النيران لأسكاتها".
رياض سلامة، على مدى ثمانية وعشرين عامًا وأربعة أشهر، يملك من "احتياط المعلومات" ما لا يُقدَّر بثمن، ولا يُعرَف ما إذا كان احدٌ في لبنان يعرف بمقدار ما هو يعرف، كثيرون يعرفون موقع "قطعةً من البازل" لكنه وحده ربما يعرف مواقع كلَّ قطع البازل.
أسهل شيء في لبنان إلقاء التهم، واصعب شيء إثباتها، وما ينطبق على رياض سلامة ينطبق على غيره من التركيبة الحاكمة على مدى ثمانية وعشرين عامًا.
في هذه الأعوام مرّ على لبنان اربعة رؤساء جمهورية، وثمانية رؤساء حكومات وأكثر من عشر حكومات وست مجالس نيابية، وحروب في أعوام 1993 و 1996 و 2006، وأكثر من عشرين اغتيالًا، واجتياح بيروت عام 2008 وانفجار مرفأ بيروت، فهل تُحمَّل نتائج وتداعيات كل ما سبق إلى رياض سلامة؟ مَن يجرؤ على إحصاء الخسائر التي تسبب بها:
التمديد لرئيسين للجمهورية، مع ما حمله هذان التمديدان من تداعيات سلبية.
الفراغ الرئاسي لسنتين ونصف سنة.
تعطيل جلسات مجلس الوزراء.
شل مجلس النواب لأكثر من أحد عشر شهرًا.
التسبب بحرب مدمِّرة كانت نتيجتها: " لو كنت اعلم".
اجتياح بيروت.
الاغتيالات.
انفجار مرفأ بيروت.
مَن يجرؤ على "التدقيق الجنائي" في كل ما سبق، في موازاة "التدقيق الجنائي" في حسابات مصرف لبنان؟
في أحدث إطلالاته عبر صحيفة " النهار" مع ميشيل التويني، وضع الحاكم الإصبع على أكثر من جرح فيقول: "يختصرون المشكلة فقط بمصرف لبنان، وهذه ليست مقاربة علميّة، فأساس المشكلة أنّ هناك عجزًا مزدوجًا: عجز موازنة الدولة وقد زاد وتفاعل، ومشكلة في الميزان التجاريّ.
وكلّ ما فعله مصرف لبنان في الفترة ما قبل الأزمة هو كسب لوقت اللبنانيين، وخلال الأزمة خفّف الآلام عنهم.
فبين سنة 2017 و2019 تمّ الاستيراد بـ65 مليار دولار، وتمّ تمويل الاستيراد.
يسلِّط الحاكم الضوء على القضية الأساس ، فيقول:
" عندما حصل التعثّر بالدفع على اليوروبوند تفاقمت المشكلة، وأنّ مصرف لبنان كان ضدّ عدم الالتزام بالدفع، وتوقّف دفع السندات، لكن ليس هو من يتّخذ القرار."
يعتبر الحاكم الحملات ضدّه أنّها مدفوعة "ولا يملكون أيّ دليل " ، وهو قام بـ"audit" على نفسه، وقدّم ذلك إلى رئيس الحكومة، وهو يملك ثروة كبيرة منذ البداية، وعندما كان يعمل في الخارج كان معاشه مليونيّ دولار في السنة وكلّ ذلك مثبت.
كان يؤكّد أنّ الليرة بألف خير، وأسأله عن تبريره لذلك فيقول انّه يومها هكذا كان الوضع، وكان يمكن أن يبقى مستقرًّا لو لم تحصل كلّ الأحداث السياسية والأمنية، إنّ تلك الأمور خارجة عن سيطرته ولا يمكنه ان يتنبّأ بها.
أمّا عن الاستنسابية خصوصًا أنّ من كان مدعومًا حوّل أمواله بعد 17 تشرين، والمواطن الصالح لم يتمكّن من سحب 100 $ فقال: أخذنا قرارًا في مصرف لبنان أنّ الأشخاص المعرّضين سياسيًّا يجب أن يعيدوا 30 في المئة من أموالهم، ونقول للمصارف أنّ مسؤولياتها إعادة تلك الأموال، وأنّ الـ3 في المئة من السيولة بالدولار التي نطلبها من المصارف، سنزيد عليها الثلاثين في المئة على أمل أن يلتزموا لكي تتمّ الاستفادة لباقي المودعين.
يصل إلى " بيت القصيد " فيُسأل عمّا صرح به جبران باسيل من أنّ حاكم مصرف لبنان لا يمكنه أن يبقى، فأجاب مبتسمًا: لا تعليق.
من خلال كل ما تقدَّم، يظهر بما لا يقبل الشك أن الحاكم قرر ان يواجِه على قاعدة أن أفضل دفاع هو الهجوم، فإلى أين ستصل هذه المواجهة بينه وبين خصومه ولاسيما الجدد منهم؟