لن أصوّر لك المشهد في حال كنت تتنزه في الأسواق، لأن "حتى الفرجة بتفلج"... سأطرح الصورة عليك من منطلق أقرب الى الواقع. تخيّل معي: حملت هاتفك وبدأت بتصفح مواقع التواصل الاجتماعي، وفجأة ومن دون سابق انذار وتصميم تقع الفاجعة وتظهر أمامك صورة كنزة أو معطف أو حذاء وتقرأ السعر تحتها فيتوقف قلبك عن الخفقان: لن تستطيع أن تحصي الأرقام من كثرتها، لتصعق بعدها حين تتأكد بعد النظر لدقائق أن سعر الحذاء قد تجاوز قيمة راتبك في الشهر!
نعم عزيزي اللبناني، في حين أن شريحة من مجتمعك تشتري وتبيع الدولارات وتراكم ثرواتها وتحسن مستوى حياتها مستفيدة من الأزمة، هناك شريحة أخرى لم يعد راتبها يكفيها لتطعم أولادها خبزا ناشفا!
في السابق كان تسوّق الملابس من الكماليات، لأن في أدراجنا دائما ما يكفي من الملابس بمختلف ألوانها وأنواعها وأقمشتها، وكنا نجد من يعيش ادمانا على التسوق ولا يعلم أين يضع الملابس الجديدة... كانت حالات اجتماعية طريفة نتذكرها اليوم ونبكي!
فبالأسعار المتوفرة في الأسواق يا عزيزي اللبناني ستستمر بارتداء ما تملك حتى يهترئ وتضطر الى رميه، وعندها نكون قد أعلناها شرعيا ورسميا وبضمير مرتاح: مبروك التعري الشرعي، حيث لا وجود لمن يحاسبك لا على حسابك ولا على عريّك، بخاصة وأن البطل اليوم هو من يملك من المال ما يكفي ليؤمن الغذاء كبداية!
نعم ، نحن شعب أصبح هدفه الأسمى هو الأكل في حال وجد، وهمه الأكبر أن يحصل على ماء ساخن ليغتسل بخاصة وأن لا الماء متوفر ولا الكهرباء ولا الصابون. نحن مجموعة أفراد بيعت كرامتها قبل أن تولد حتى. أصبح حلم النزول من الجبل الى بيروت أكبر وأصعب من حلم السفر للسياحة عندما كانت "الليرة بألف خير".
الناس حول العالم زاروا الكواكب والمجرات وتجولوا على الأرض وفي الفضاء، ونحن عدنا الى أوراق التين حتى نكتسي... "والخير لقدام"!
ها نحن اليوم نقف، بكراماتنا التي اغتصبها الفقر والذل والحكام وسرقة جنى العمر والدولار والانتماء والطائفة والتعصب والجوع... نحتفل بعُريَ شرّعته الظروف لأن "لا حول ولا قوة"... ودمتم عراة في أرض كانت في حياة سابقة منارة وأصبحت اليوم قاحلة لا ضوء ولا ماء ولا حياة فيها!
|
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp)
اضغط هنا