مايز عبيد
لم يعد خافيًاً على احد أن طرابلس ومناطق شمالية أخرى، تعاني من آفة المخدرات التي تنتشر بين الشباب في مقتبل العمر؛ وبين تلاميذ المدارس، وأن تجارتها وبيعها رائجة بقوة؛ وعلى مسمع من الأجهزة الأمنية التي كما يقول كثيرون "تعرف المروّجين والمتعاطين ولا تحرك ساكناً"؛ لا بل أحياناً تستعملهم لأهداف أمنية معينة. والمؤسف انها لا تتحرك لتوقيف المتعاطين إلا عندما يرتكب أحدهم.
ويحصل مؤخراً في طرابلس أن تُرتكب بدل الجريمة الواحدة جريمتان، بفارق يوم واحد. الجريمة الاولى، شاب يطعن جدته بالسكين في ضهر المغر، والثانية، شاب آخر في منطقة المنكوبين يقتل شقيقته القاصر (13 سنة) قبل ان يقتل نفسه، والقاسم المشترك في الجريمتين كان تعاطي المخدرات.
هاتان الجريمتان أثارتا الرأي العام الطرابلسي، لناحية تنامي هذه الآفة بشكل كبير بين شبان المدينة الذين يصبحون مستعدين لارتكاب الجرائم وقتل أقرب المقرّبين إليهم، من أجل الحصول على المال لتأمين المخدرات. وفي معلومات حول الشاب م. ابراهيم هو من أسرة عكارية من بلدة فنيدق، مؤلفة من 8 أشخاص وتسكن في منطقة المنكوبين في ضواحي طرابلس، وهناك الكثير من العائلات العكارية التي تسكن المنكوبين منذ زمن، ذاك الحي الذي يغلب عليه وعلى سكانه طابع الفقر. الشاب يتعاطى المخدرات وكان تحت تأثيرها عندما ارتكب جريمته.
أما عن الشاب أسعد الذي ذبح جدته في ضهر المغر فهو أيضاً من جذور عكارية ويسكن منطقة ضهر المغر في القبة بطرابلس، وهي منطقة فقيرة أيضاً، ويزداد الضغط فيها على العائلات في هذه الآونة بسبب الأزمة الإقتصادية القائمة. وبحسب رواية الجيران "فإن اسعد يسكن مع جدته لوالده وكانت تحبه كثيراً. ولم يسبق لهم أن سمعوا بخلافات بينه وبينها في السابق، إلا يوم طعنها عدة طعنات، وكانت تبدو عليه علامات التعاطي الشديد". ومن دون الغوص كثيراً في أسباب الجريمتين أو الدوافع، فإنها تبدو نتيجة آفة تعاطي الممنوعات التي تنتشر بين الشباب كالنار في الهشيم، وتجعل منهم مشاريع جرائم في أي لحظة ولأسباب تافهة.
فانتشار هذه الآفة بين الشبان لا سيما منهم الفئات العمرية الصغيرة (15 - 25)، أمرٌ يدعو إلى القلق ويتهدد مصير جيل شاب بأكمله في مدينة طرابلس وكذلك في مناطق شمالية أخرى كعكار. والمثير أن أسعار هذه المواد ارتفعت بشكل كبير للغاية، من حدود 10 و 20 ألف ليرة، إلى ما يزيد عن المئتي ألف ليرة، في وقت لا يمكن للمتعاطي الذي استُدرج عبر عصابات توزيع وتجارة المخدرات، التوقف عن تعاطي هذه المواد وإلا فقدَ وعيه بالكامل وارتكب الخطيئة بكل أشكالها.
يحصل ذلك في وقت يزداد فيه الضغط الإجتماعي والإقتصادي على الشباب لا سيما في الأحياء الفقيرة، بغياب أي أفق لمستقبل أفضل. فلا فرص عمل، ولا مشاريع استثمارية، ولا قدرة على متابعة التعليم، وسط حالة من فقرمدقع يزيد يوماً بعد آخر، مع ارتفاع سعر صرف الدولار وعدم قدرة كثيرين على تأمين ظروف حياة باتت مستحيلة.
يقول الكاتب والباحث السياسي الطرابلسي شادي نشابة "من المؤسف إن الجرائم في طرابلس وضواحيها تزداد يوماً بعد يوم ومما لا شك فيه أن للحبوب والمواد المخدرة وغيرها من الآفات دوراً رئيساً في ما يحصل". ويضيف "ثمة جيل كامل من الشباب متروك على قارعة الطريق، من دون أي أفق لمستقبل أفضل، وسط واقع أليم يعيشون فيه، حيث تزداد نسب الفقر والبطالة باستمرار، وهذا سيؤدي إلى ازدياد نسب الجرائم والإنتحار. لم يعد أمام الشاب أي طموح سوى الخروج من لبنان بأي طريقة ولو بالبحر مخاطراً بحياته إلى حياة أفضل، ومن لم يجد فرصة للخروج وقع ضحية عصابات ومروجي المخدرات التي تعيث فساداً في طرابلس وضواحيها".
ويشدد نشابة على أن "طرابلس بحاجة إلى عناية خاصة من الدولة وأن تكون هناك خطة إنقاذ اقتصادية حقيقية تفتح أفق المشاريع أمام الشباب، كما في نفس الوقت على الأجهزة الأمنية التعامل بحزم مع مروجي المخدرات حفاظاً على الأمن الذي صار في خطر".
تجدر الإشارة إلى أن أكثر هذه المواد تدخل إلى الشمال عبر مناطق الهرمل والبقاع، وهناك مروجون كثر انتشروا في مناطق الشمال، وليس بالضرورة أن يكون المروج من المتعاطين، لكن تجارة هذه الأنواع رائجة بقوة وصارت موجودة مع باعة القهوة والبسطات، ما يشير إلى ارتياح لدى المروّجين في عملهم في غفلة من الأجهزة الأمنية.