باميلا كاشكوريان - الديار
لن يُشبه عيد هذا العام أيّ عيد مضى، لن تكون ابتسامات الأطفال على حالها بعد الآن، لن يرتدوا الثياب الجديدة، لن يزوروا خشبات المسارح المخصصة لعروض عيديّ الميلاد ورأس السنة، فلن يكون الأطفال سوى ضحايا لوطن أبى إلّا أن يبقى فقيراً ويزيد من حالة أهله فقراً!
الأزمة الإقتصادية التي تشتدّ يوماً بعد يوم، تحطّ رحالها في عالم الأطفال الذين ينتظرون سنة بعد أخرى عيد ميلاد السيّد المسيح، ليعيشوا أجواء الولادة الجديدة، الزينة، اللّهو وخاصّة هدايا العيد التي ستفتقر الى بهجتها هذا العام، بعد صراعٍ متواصل في العلاقة بين المواطن والحالة الإقتصادية، التي عوض أن تُحلّ تدريجياً، لا تزال تتابع أعباء زيادة أثقالها على المواطنين العاجزين عن تأمين المستلزمات الأساسية لمنازلهم، كيف الحال إذاً شراء هدايا عيد الميلاد التي تُسعّر بالدولار، والدولار في لبنان يتابع تحليقه مفقداً اللّيرة اللّبنانية من قيمتها يوماً بعد يوم.
يقول الياس (43 عاماً) ل «الدّيار» : « أنا أب لثلاثة أطفال أكبرهم يبلغ من العمر 11 سنة وأصغرهم ثلاثة سنوات، وأنا موظّف في إحدى المديريات العامّة في إحدى مؤسسّات الدّولة، صحيح أنني لم أعتد على البزخ والترف والصرف العشوائي، إلّا أنني كنت في كلّ عام قادر على شراء مستلزمات أطفالي كافّة من ثياب أنيقة وهدايا قيّمة، إلّا أنّ الظروف تبدّلت هذا العام، فمع ارتفاع الدولار وأزمة المحروقات، فقد راتبي قيمته بنسبة 100% وراتب زوجتي أيضاً، فلم نعد قادرين على عيش شهر العيد كما في السابق».
ويضيف: «هذا العام لا ثياب جديدة لأطفالنا، فسنكتفي بشراء الأحذية الجديدة فقط ، بالإضافة الى بعض الألعاب زهيدة الثمن إن وُجدت، فالأسبوع الفائت، تصفّحت أنا وزوجتي إحدى صفحات ألعاب الأطفال على مواقع التواصل الإجتماعي، لنكتشف أنّ الأسعار تبدأ من 350,000 ليرة لبنانية وتأخذ منحاها التصاعدي بحسب وضع اللعبة، فبعملية حسابية بسيطة، تكلفة 3 هدايا لثلاثة أطفال تتخطّى الحدّ الأدنى للأجور وتجتاز نسبة 75% من راتبي الذي أدفعه أصلاً من أجل تأمين البنزين للمواصلات بين عملي ومدرسة أطفالي».
وبحسرة ودموع في العيون يقول الياس: «لا أستطيع النظر في عيون أولادي، ماذا أقول لهم؟ أَأُخبرهم أنّ الوطن الذي اعتدنا أن نعلّمهم حبّه، يحرمهم فرح الحياة؟ أأقف أمامهم وأعترف بعجزي الذي فرضته عليّ دولتي؟ أأعتذر منهم لأنني أعطيتهم الحياة في البلد الخطأ؟ أهذا ذنبي؟ أصلّي فقط أن تنفرج الأزمة قريباً علّنا نعوّض لأطفالنا عن الأيام السوداء التي يعيشونها اليوم»!
في المقابل، وفي جولة في شوارع جونية، عن أنواع الألعاب وأسعارها، فالمحلّات خالية إلّا من أصحابها الذين يبكون على أمجاد أزمنة الأعياد، تبدأ أسعار اللعب من 15$ أي ما يقارب 345,000 ليرة صعوداً لتصل الى الملايين، خاصّة تلك المصنّفة الكترونية كال play station وغيرها من الألعاب أو الدراجات الهوائية التي تبدأ أسعارها من 125$ أي ما يعادل 2,875,000 ليرة لبنانية، وهو مبلغ يفوق متوسط الأجور، مروراً بألعاب الأنشطة الدماغية التي تعتبر تعليمية فتسعّر باليورو....
أحد أصحاب محلّات الهدايا والألعاب، شرح ل «الدّيار» حقيقة الواقع المزري الذي يعيشه التجّار فقال: «نحن متواجدون في الأسواق منذ خمسين عاماً ،هذه الشركة أسسها أجدادي وتوارثتها عن والدي، ومع مرور السنين أستطيع أن أجزم أنّه لم يسبق أنّ مرّ قطاعنا بأزمة كهذه حتّى في أيّام الحرب، السوق جامد جدّاً ، وكأنّ الجميع مترقّب وحذر لأمر ما، أكثر وقعاً من هذا الألم الذي نعيشه».
اضاف:»أقرّ بأنّ معظم السلع في متجرنا ليست جديدة وعمرها ثلاثة سنوات هنا، إلّا أنّه من المستحيل أن نسعّرها بأسعار زهيدة، ولو كنّا قد اشتريناها حين كان الدولار الواحد يعادل 1500 ليرة لبنانية، فنحن نبحث عن الإستمرارية وعن البضائع التي سنشتريها وفق السعر المرتفع جدّاً. فنطلب الرحمة للبنان وللتجّار وللمستهلكين على حدّ سواء».
عيد بأيّة حال عدت يا عيد، مرّت سنتين ولم أرَ بك تجديد.... هذه هي حال جميع اللبنانيين الواقفين مكّبلين أمام انهيار اقتصاديّ هو الأسوأ والأشدّ وطأة في التاريخ اللّبناني، علّ ولادة المخلّص تأتي بولادة جديدة للبنان، فيكون «بابا نويل» ضيف الجميع ويزور البيوت اللّبنانية كافّة، فالأطفال يستحقّون الطفولة، يستحقّون السلام...!