تخرُج الأمور بشكل لافِت من يد «حزب الله» الذي لم ينجَح بعد في تطويق الإشكال الجديد بين حليفَيه، حركة أمل والتيار الوطني الحر، ولا سيّما أن الأزمة الحكومية وقانون الانتخابات وملف انفجار مرفأ بيروت وأموراً أخرى، كلها انعكست توتراً يتخذ شكل اشتباك إعلامي ضارٍ بين الطرفين اللذين يذهبان في العداء الى حدّه الأقصى. وتقول مصادر مطّلعة إن «مصير المحقق العدلي طارق البيطار وأحداث الطيونة وبعدها التصويت على قانون الانتخابات»، جعلت المسافة بينهما كبيرة ما يؤدي الى تعقّد وساطة الحزب.
وكانت الاتصالات تحاول إيجاد مخرج للأزمة الحكومية ومسبباتها، وتناول الوسطاء أفكاراً بينها ما يقود الى «تسوية ضمنية» تقوم على حصر التحقيق مع الرؤساء والنواب والوزراء لدى المجلس الأعلى لمحاكمتهم، أي الاحتكام إلى مجلس النواب وفق الدستور وتشكيل لجنة تحقيق برلمانية، مقابل استمرار البيطار بالتحقيق مع الموظفين الإداريين، بينما يقبل المجلس الدستوري بناًء على تسوية سياسية الطعن المقدّم من نواب تكتل «لبنان القوي» بتعديلات قانون الانتخاب، ما يعني تأجيل الانتخابات إلى أيار المقبل بدلاً من آذار، وحصر تصويت المغتربين اللبنانيين بستة نواب يمثلونهم، دون أن يشاركوا في التصويت لأعضاء المجلس النيابي كاملين أي 128 نائباً. بينما تشير مصادر مطّلعة إلى أن الأفكار المطروحة توسّعت وصولاً إلى الحسابات الانتخابية.
وقالت المصادر إن المفاوضات وصلت الى طريق مسدود بعدَما علقت بتفاصيل عديدة؛ أولها أن رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الذي «قبِل في المبدأ بفكرة حضور الجلسة في مجلس النواب»، لا يزال يرفض التصويت مع خيار محاكمة الوزراء والرؤساء من قبل المجلس، ما يشكل معضلة كبيرة بالنسبة الى رئيس المجلس نبيه بري، وخاصة أن السير بهذا الخيار يحتاج الى النصف + 1، وفي حال عدم تصويت باسيل مع هذا الخيار، فإن حضوره الجلسة لن ينفع. وعلمت «الأخبار» في هذا السياق أن باسيل، وبعدَ التواصل معه وإقناعه بضرورة التصويت بما أن الحضور لن يحلّ المشكلة، وافقَ على أن يصوّت 5 نواب من التكتل هم: طلال أرسلان ومصطفى علي حسين ونواب أرمن، ما اعتبره بري «استخفافاً» لأن أصوات هؤلاء شبه مضمونة. كما لفتت المصادر إلى أن المداولات وصلت الى الاستحقاق الانتخابي ومناقشة إمكانية التحالف بين أمل والتيار، وقد طالب الأخير بـ«تحالف انتخابي مقنّع» بمعنى أن يحصل على أصوات «أمل» في الدوائر التي يكونان فيها مع الحزب، لكن بري رفض الأمر.
وأضافت المصادر إن المشكلة الأساسية هي في أن «قرار المجلس الدستوري بإبطال التعديلات غير مضمون، فمن قال إن في استطاعة بري وحده تأمين الأصوات»، لافتاً إلى أن «هناك أعضاء ينتمون الى جهات أخرى لن تعطي هدايا مجانية لباسيل؛ ومنها تيار المستقبل»، وكان ذلك سبباً أساسياً لفشل محاولات الوصول الى تسوية.
من جهة أخرى، حاول رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أمس إقناع بري بضرورة الدعوة الى جلسة حكومية، فلا يُمكن أن «تبقى الأمور على ما هي عليه، وكأنني غير موجود»، لكن بري رفض قائلاً لميقاتي «اذهب وطبّق ما اتفقنا عليه مع الرئيس ميشال عون في اجتماعنا الأخير في بعبدا». وكان رئيس الجمهورية قد أشار في تصريح له من قطر، التي يزورها، إلى أنه «مع فصل السلطات» ولا «أتدخّل في عمل القضاء»، موضحاً أنه لا يوافق حزب الله في إقالة المحقق العدلي.
إلى ذلك، توقف المكتب السياسي في حركة أمل أمام «مسار التحقيقات في جريمة المرفأ والقرارات الأخيرة الصادرة غبّ الطلب عن المتحكّمين بهذا الملف، والتي لا تستقيم مع كل المعايير القانونية والدستورية، وتشكل فضيحةً بكل معنى الكلمة في وقتٍ نرى فيه الانفصام الفاضح لبعض القيادات التي تتحدث عن استقلالية القضاء وهي ساهمت وتساهم في الحمايات القضائية لقيادات حكومية وأمنية وإدارية، وتنظّر علناً لمنطق الاستنسابية والتسييس». ولفت المكتب في بيان اجتماعه الدوري إلى أن «كل الحديث عن مقايضاتٍ في الشأن القضائي لا أساس لها ولا قيمة»، وأن «كل الحديث عن مسؤولية المجلس النيابي في تصحيح المسار القضائي يتطلّب من مطلقيه أن يلتزموا الحضور والتصويت التزاماً بهذا الأمر».