زينب حمود
بعد عامين من «التخبّط» في التعليم عن بعد، تقع على عاتق المدارس تغطية الفاقد التعليمي الذي مني به الطلاب، أي المهارات الأساسية المفقودة خلال هذين العامين نتيجة غيابهم عن التعليم الحضوري.
المركز التربوي للبحوث والإنماء أعدّ «الخطة الآمنة للعودة إلى التعليم الحضوري» هذا العام، وعمل على «تشحيل» المناهج لإفساح المجال أمام إعادة تعلّم الأهداف الأساسية التي لم يكتسبها الطالب عن بعد. لكن، هل كانت معايير التعليم واحدة بين جميع المدارس لجهة حجم المعارف وطريقة تقديمها لتكون المناهج موحّدة هذا العام؟ «بالطبع كلا»، يؤكد الباحث التربوي نعمة نعمة لـ«الأخبار»، ما يشير إلى «مركزية في التعليم مضرّة جداً، وغياب سياسة تربوية مرنة ومنسجمة مع الواقع».
ويعود ضعف مستويات التعليم في لبنان أساساً إلى ما قبل الجائحة. فعام 2019، أشارت لجنة التربية والتعليم في منظمة اليونسكو إلى ارتفاع نسبة «فقر التعلّم» بين الأطفال في الدول النامية، بما فيها لبنان، إلى 63% (فقر التعلم: تلميذ في الصف الخامس أساسي لا يستطيع قراءة أو فهم فقرة بلغته الأم). وبعد عامين من التعليم عن بعد «تضخّم فقر التعلم وبتنا أمام مصطلح جديد يسمى الفاقد التعليمي»، على ما يقول نعمة. وازدادت التحديات التي واجهت العملية التعليمية جراء الأزمة الاقتصادية، ما دفع المركز التربوي للبحوث والإنماء إلى توزيع استمارات على الأساتذة نهاية العام الماضي حول التحديات الأكاديمية واللوجستية والاجتماعية النفسية التي واجهتهم، ثم وضع خطة العودة إلى المدارس انطلاقاً من البيانات التي جمعها والتقارير التي أصدرتها مؤسسات دولية تناولت تعويض الفاقد التعليمي عالمياً.
تضمّنت خطة العودة إلى التعليم الحضوري «تكييف المناهج» في جميع حلقات التعليم العام ومراحله، على حدّ تعبير منسّقة الهيئة الأكاديمية في المركز رنا عبد الله. والمقصود بذلك تخفيف المناهج والاقتصار على الأهداف الأساسية، مع الأخذ في الاعتبار المواضيع والدروس المستمرة من الصفوف السابقة، قبل الشروع في مواضيع الصف المعني. ووزّعت الأهداف في المناهج «المكيّفة» في المواد التعليمية كافةً على 18 أسبوعاً «باعتباره عاماً دراسياً استثنائياً، فمن جهة لتوفير الوقت الكافي للمعلمين للتأكد من مكتسبات المتعلمين السابقة وتقديم المحتوى التعليمي للسنة الحالية بشكل فعّال، ومن جهة ثانية قد تُعطَّل الدروس قسرياً بسبب الأوضاع الصعبة التي تمرّ بها البلاد أو استجابة لتفشّي جائحة كورونا، بالإضافة إلى توفير الوقت الكافي لتحقيق عملية التقويم المدرسي»، وفق عبد الله. وهو ما ينتقده نعمة «فالمناهج الحالية وضعت عام 1997 وكانت جيدة في وقتها، لكن جرى تخفيفها للمرة الثالثة ولم يبقَ فعلياً ما يزيد على 35% منها». وفي التفاصيل، «عندما وضعت المناهج قسّمت على 36 أسبوعاً دراسياً فعلياً، فأيّ معارف ستعطى اليوم خلال 18 أسبوعاً فقط»؟
إلى ذلك، أطلق المركز التربوي «برنامج التعافي» بشقَّيه الأكاديمي والعاطفي الاجتماعي في بداية العام الدراسي. ويتضمّن «مراجعة الكفايات السابقة والتعويض عمّا فات الطلاب أكاديمياً على مدار أربعة أسابيع، إلى جانب تزويدهم بمهارات تنظيمية وإدارة الوقت والسلوك داخل الصف وتحضير أنشطة تعلّمية خاصة بمواد الفنون نظراً إلى أهميتها في إذكاء مسارات إبداعية ومواهب متنوعة لدى المتعلمين والتي لم تُعطَ حقّها بشكل واف خلال فترة التعلم عن بعد. كذلك جرى تحضير أنشطة خاصة بسلامة الأطفال على الإنترنت بغية تقديمها في الحلقات والمراحل كافةً». تقول عبد الله إن «طلاب الحلقتين الأولى والثانية تطلّبوا جهدا أكبر وعملاً ماراتونياً لأن الاستبيان أشار إلى أن 35% من الأهداف لم تُنجَز في معظم المواد، فضلاً عن عدم التأكد من مدى اكتسابهم للمواضيع الأخرى التي أُنجِزت، علماً بأن الفاقد التعليمي لدى هذه الفئات العمريّة يؤثّر في تطوّر شخصيّتهم ونموّهم الفكري والعاطفي والاجتماعي». وركّز «برنامج التعافي» على الكفايات اللغوية وكفايات الرياضيات، فأعدّ المركز التربوي بالتعاون مع موقع «كتابي» اختبارات تشخيصية لهذه الكفايات وظيفتها تحديد الثغرات التعلّمية ويتبعها أنشطة داعمة وموائمة للثغرات التي ظهرت.
من جهته، يرى نعمة أن «بإمكان المدارس أن تعوّض الفاقد التعليمي بشكل أفضل من دون أن تخفف المناهج بهذه الطريقة». كيف؟ يجيب: «كل مدرسة قدمت خلال فترة التعليم عن بعد معارف متفاوتة وتستطيع أن تعوّض ما افتقده طلابها من مهارات تأسيسية، لكن المركز التربوي من خلال نظرته الشمولية يتعامل مع الطلاب كما لو أنهم بالمستوى نفسه، علماً بأن معايير التعليم عن بعد كانت مختلفة وخاصةً بين مدارس المدينة والمدارس التي تقع في المناطق النائية». أكثر من ذلك، يجد نعمة أن مركزية التعليم مضرّة في جميع الأوقات «فلمَ يدرس الطالب في المدينة المنهاج ذاته الذي يدرسه الطالب في القرية رغم اختلاف البيئات؟ ولمَ لا نُعِدّ لأطفال القرى دروساً متخصّصة أكثر حول البيئة التي يعيشون فيها وعلاقتهم بالأرض والنشاط الزراعي على سبيل المثال؟».