ناصر زيدان
قد تكون الأزمة اللبنانية الخانقة على مفترق طرق خطيرة للغاية، وتتلبد في سماء البلاد غيوم داكنة قد تتحول الى غيوم سوداء في أي لحظة، ذلك أن المعطيات المتوافرة تدل على مؤشرات غير مريحة؛ ولأن المتغيرات في السياسية يمكن التعامل معها بمرونة احيانا لأنها لا تمس بجوهر القضية، كما يحدث مع الملفات الاقتصادية والسياسية المختلفة على سبيل المثال، لكن المس بالثوابت يشكل مصدر قلق واسع، وقد يؤدي لانفجار كبير، وقد تعرضت هذه الثوابت لهجمات لا يمكن السكوت عنها، ومنها فرض هيمنة ميليشياوية على بعض المؤسسات والمناطق، وتعريض علاقات لبنان مع إخوانه العرب لخطر شديد.
يتفق معظم الخبراء والتقنيين والمحايدين، على أن أسباب الأزمة المالية والاقتصادية والأمنية والقضائية في لبنان تتحملها أطراف الثنائي الحاكم بشكل رئيسي، وهؤلاء أعطوا الأولوية للحسابات الفئوية والشخصية على حساب مصلحة الدولة العليا، ومن يهيمن على الحكومات المتعاقبة منذ 5 سنوات على أقل تقدير، معروفون ويشار إليهم بالبنان، وهم فريق رئيس الجمهورية وحزب الله، وقد تصرفوا على قاعدة ما نريده يمر، وما لا نريده نمنع إقراره أو نعطل تنفيذه، وأصبح الفريقان أسرى لمصالحهم ولارتباطاتهم الخارجية، وفقدوا كل أشكال المرونة في تعاطيهم كرجال دولة، وأوقعوا البلاد في أزمة لم نشهد مثيلا لها.
وقد وصف مقرر الأمم المتحدة الخاص بشؤون الفقر وحقوق الإنسان اوليفيه دي شوتر الذي زار لبنان مؤخرا الوضع بالكارثة غير المسبوقة، وقال ان الحكومات المتعاقبة خذلت شعبها وتتهرب من المساءلة، وهي أوقعت السكان بفقر مدقع، وحولت البلد، الى بلد على حافة الانهيار وشعبه يتوسل المساعدات للبقاء على قيد الحياة.
اعتبرت مجموعة كبيرة من المرجعيات اللبنانية، وفي مقدمتهم البطريرك بشارة الراعي والمفتي عبداللطيف دريان ورؤساء الأحزاب السيادية، أن تعريض مصالح اللبنانيين في دول الخليج بمنزلة المس بالثوابت، ومهاجمة هذه الدول التي وقفت على الدوام مع لبنان غير مقبولة مهما كانت المبررات، ولا يمكن السكوت تجاه هذا الموضوع مهما كانت العواقب، لأن ما يزيد على 35% من مجموع المواطنين اللبنانيين يعتمدون بمعيشتهم على هذه الدول الشقيقة، واللبنانيون الذين يعملون في هذه الدول ويساعدون أهلهم في لبنان يشكلون آخر سبيل متبق يروي العطش اللبناني بعد أن انهار الاقتصاد برمته. وصرخة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط المدوية بوجه حزب الله أتت في هذا السياق، وهي انطلقت من خلفية الدفاع عن مصالح اللبنانيين لا أكثر ولا أقل، وليست لها أهداف خاصة تتعلق بالانتخابات او بتوفير عوامل اشتباك جديدة، والأصوات التهديدية التي استهدفته كانت بخلفية معروفة، وبدوافع واضحة، ومشاركة بعض رجال الدين في الردود، كان جنوحا غير محسوب وهو يساهم في إيقاظ الفتنة.
والمؤيدون للثوابت اللبنانية التي جاءت في اتفاق الطائف للعام 1989 هم الغالبية، وأكثر بكثير من القوى التي أشار إليها وزير الإعلام جورج قرداحي على أنها أكثرية تطلب منه عدم الاستقالة بعد فعلته الشنيعة التي تعرض فيها لدول الخليج العربي.
كانت القوى الاستقلالية اللبنانية في غاية البراغماتية عندما تعاملت بمرونة مع التهديات الأمنية وغير الأمنية التي طالت مصالح لبنان ومؤسساته الحكومية، ولم تلجأ الى الأسلوب التدميري الذي اعتمده الحكم وحلفاؤه، وذلك مراعاة للعيش المشترك ولعدم الولوج في حرب داخلية مرفوضة، وربما كان ذلك خطأ. والخوف كل الخوف إذا ما تكرر المس بالثوابت اللبنانية، فعندها لا يمكن تقدير نتائج الموقف، لأن لقمة عيش اللبنانيين وكرامتهم الوطنية والعربية ستكون فوق كل اعتبار، ولن ترهبهم أي تهديدات مهما كان نوعها.