دوللي بشعلاني - الديار
تُعوّل دول الخارج على إجراء الإنتخابات النيابية في موعدها، رغم "تعليق" جلسات حكومة الرئيس نجيب ميقاتي منذ أحداث الطيّونة الأخيرة التي أظهرت الإنقسامات الداخلية، وما تلاها من أزمة ديبلوماسية وسياسية بين لبنان والسعودية وعدد من دول الخليج على خلفية تصريحات وزير الإعلام جورج قرداحي. أمّا الهدف الرئيسي من إجرائها فهو إحداث التغيير المطلوب الذي طالبت به انتفاضة 17 تشرين الأول في العام 2019، بهدف تغيير الطبقة السياسية الحاكمة كونها هي التي أوصلت الوضع في البلاد الى ما هو عليه اليوم من سوء وانهيار. وتجد بأنّ أصوات اللبنانيين غير المقيمين في لبنان من شأنها إحداث "قوّة تغييرية" في البرلمان الجديد يُمكنها أن تكبر أكثر فأكثر في الدورات الإنتخابية اللاحقة.
وفيما تنتهي مهلة تسجيل اللبنانيين غير المقيمين في 20 تشرين الثاني الجاري، أي بعد نحو عشرة أيّام ليس أكثر، على ما تقول أوساط ديبلوماسية مطّلعة، سيما وأنّ الطلبات تحتاج الى نحو ثلاثة أيّام لمراجعتها من قبل وزارة الخارجية والمغتربين لقبولها أو رفضها في حال لم تكن تستوفي الشروط القانونية، بلغ عدد المسجّلين في دول الخارج حتى الآن نحو 70 ألف ناخب... ولا تتوقّع ارتفاع العدد بشكل كبير، فقد لا يصل الى مئة ألف مسجّل على أبعد تقدير. علماً بأنّه في الدورة الماضية، أي في العام 2018، تسجّل 92810 لبنانياً غير مقيم على الأراضي اللبنانية، وقد تمّت الموافقة على طلبات 82965 منهم، فيما رُفضت الطلبات غير المستوفية للشروط القانونية. وقد انتخب منهم آنذاك 46799، أي ما نسبته 56% من ناخبي الخارج، و2.5% فقط من إجمالي المقترعين في لبنان الذين بلغ عددها مليون و870 ألف ناخب، وهي نسبة ضئيلة جدّاً لا يُمكنها إحداث أي تغيير في نتائج الإنتخابات النيابية ككلّ.
غير أنّ ماكينات الأحزاب اللبنانية تنشط في الخارج، على ما أضافت، لتشجيع مناصريها على التسجيل، بغية كسب أكبر عدد ممكن من أصوات الناخبين في الخارج. وقد تمكّن بعضها في الدورة الماضية من تحقيق بعض الإنتصارات وإحراز بعض المقاعد الإضافية في عدد من الدوائر الإنتخابية. ولأنّ الناخبين في بلدان الإنتشار سينتخبون هذه المرّة أيضاً الـ 128 نائباً في البرلمان اللبناني وليس الدائرة الـ 16 أي المقاعد الستّة المخصّصة لهم في القانون رقم 44 الذي جرى تعديله أخيراً في مجلس النوّاب، فإنّ الأحزاب لا تزال تحتاج الى المزيد من هذه الأصوات.
في الوقت الذي تُراهن فيه دول الخارج، على ما أكّدت الأوساط نفسها، على أصوات اللبنانيين في الخارج لإحداث التغيير المنشود، كونها تعتقد، من وجهة نظرها، أنّ هؤلاء الناخبين سيكونون "أكثر تحرّراً" في بلدانها من سيطرة وضغوطات الأحزاب عليهم. غير أنّ وجهة نظرها هذه لا تبدو صحيحة، سيما وأنّ الأحزاب في الخارج تتحضّر للإنتخابات منذ أشهر عدّة، حتى قبل التوافق على تعديل القانون الإنتخابي، وقد تجاوز عددهم حتى الآن الـ 70 ألف ناخب بقليل، إذ يزداد عدد المسجّلين في القارّات الستّ في كلّ ساعة، ما يدلّ على أنّ الرقم قد يرسو على العدد نفسه كما في الدورة الماضية أي أنّه لن يتخطّى الـ 90 ألف ناخب. كذلك فإنّ أكثرية المسجّلين في الدورة الماضية كانوا من أميركا وأستراليا وكندا وألمانيا وفرنسا، وهذا السيناريو يتكرّر في الدورة الحالية. من هنا، ستقوم دول الخارج بتشجيع ناخبي الداخل على الإقتراع، على ما عقّبت، عبر المنظمات غير الحكومية والمجموعات المعارضة، كون عددهم سيكون أكبر وأكثر تأثيراً، وستعمل على تحريرهم من هيمنة الأحزاب عليهم بطرق مستحدثة.
وقالت بأنّه لا يُمكن الجزم منذ الآن الى كفّة أي فريق سياسي، أو الى أي حزب سوف تصبّ الأصوات، ومعرفة الى أي دوائر وأي طوائف ينتمي هؤلاء المسجّلين قبل إقفال باب التسجيل في 20 ت2 الجاري. كما لا بدّ من انتظار يوم الإنتخاب لاحقاً لمعرفة العدد النهائي الذي سينتخب منهم حتى لو تسجّل أكثر من 90 الى 100 ألف. ولكن يُمكن القول بالمبدأ أنّ اقتراع مئة ألف ناخب لبناني في بلدان الإنتشار لا يُمكنه أن يؤثّر في نتائج الإنتخابات النيابية بشكل عام. ويحتاج التغيير الفعلي لنحو 300 ألف صوت من نحو 820 ألف لبناني في الخارج يمتلك الجنسية اللبنانية ويحقّ له التصويت، من أصل نحو 14 مليون من أصول لبنانية يقيمون في دول الإنتشار، شرط أن تكون الأكثرية "تغييرية" وتُصوّت لمجموعات المعارضة وللمرشّحين المستقلّين من المجتمع المدني.
وأفادت المعلومات أنّ عدم حماسة اللبنانيين غير المقيمين للتسجيل للإنتخابات النيابية المقبلة، رغم تشجيع القوى والأحزاب السياسية لهم، فيعود لأسباب عدّة، أبرزها:
أولاً، تعديل قانون الإنتخاب في الجلسة النيابية الأخيرة، وإعلان "التيّار الوطني الحرّ" الطعن به، أثّر سلباً على مزاج الناخب اللبناني غير المقيم إذ جعله يعتقد أنّ الإنتخابات قد "تطير" بسبب الخلافات السياسية الداخلية، كما بفعل "تعليق" العمل الحكومي رغم إصرار دول الخارج على ضرورة إجراء هذا الإستحقاق في موعده. علماً بأنّ القانون المعدّل نُشر في الجريدة الرسمية ما يجعله آيلاً للتنفيذ.
ثانياً، إرادة البعض بالمجيء الى لبنان في الربيع المقبل، والإنتخاب في دائرته، إمّا لعدم الثقة بالطبقة السياسية الحالية التي تُنظّم الإنتخابات، أو خشية "تزوير" النتائج عن طريق نقل الصناديق من الخارج الى لبنان. فضلاً عن أنّ هناك فئة من الناخبين تُقيم في دول لا يوجد فيها أقلام إقتراع، سيما وأنّ القانون ينصّ على عدم فتح أي قلم إقتراع في حال لم يصل عدد الناخبين الى 200.
ثالثاُ، عدم إيجاد وجوه تغييرية جديدة لديها برامج إنتخابية واضحة، في ظلّ انقسام مجموعات المعارضة، وعدم توافقها على مواقف موحّدة حتى الان.