صونيا رزق - الديار
لم يعد يعرف رئيس الحكومة نجيب ميقاتي كيف ينتزع الألغام التي تطوّقه من كل حدب وصوب، ف" تحشره " في الزاوية الحكومية، مستعيناً بالخارج والداخل لإزالتها من دون ان يتلقى الدعم المطلوب، الذي بقي شفهياً على لسان الخارج، وبعيد المنال على لسان اركان الداخل، حيث كالعادة ينقسم السياسيون اللبنانيون حول اي ملف بين مؤيد ومعارض، مما يزيد الصعوبات في ضبطه، خصوصاً بالنسبة الى رئيس الحكومة الذي يعمل جاهداً على فك تلك العقد، علّه يزيلها ويستطيع دعوة مجلس الوزراء الى الانعقاد بعد طول غياب، إلا انه ولغاية اليوم لا يزال يدور في مكانه، فلا العقد حُلّت والامل بذلك يضيق يوماً بعد يوم، لان القصة كبُرت ولم يعد هنالك من سبيل لتحجيمها، لان الازمة الخليجية مع لبنان تتفاعل، في ظل غياب اي بصيص بإمكانية إيجاد مَخرج لها، او تسوية ترضي الجميع، لكن وكما جرت العادة تكثر المخاوف من ان تكون على حساب لبنان والمغتربين الذين يعملون في دول الخليج، بعد مغادرتهم بلدهم في ما يشبه الهجرة بسبب الانهيارات التي تتوالى عليه، من جرّاء السياسات الخاطئة التي تعاقبت، وادت الى تدهور اوضاعه الى هذا الدرك الخطير.
الى ذلك نستذكر وضع الرئيس ميقاتي قبل ايام قليلة، حين بدا محصّناً بالقوة السياسية، من خلال دعوته وزير الإعلام جورج قرداحي الى تغليب المصلحة الوطنية، وتوجيهه انتقاداً مبطّناً الى حزب الله من دون ان يسمّيه، قائلا:" مخطئ مَن يعتقد أنه قادر على فرض رأيه بقوة التعطيل والتصعيد الكلامي على المنابر، والحكومة ليست مكاناً للإملاءات والتهديدات"، لكن على الفور قوبلت دعوة ميقاتي بالرفض من قبل قرداحي، المحصّن والمدعوم من حزب الله، الذي سارع بدوره الى الرد على رئيس الحكومة، عبر نائب الامين العام للحزب نعيم قاسم ، الذي رأى أنّ وزير الاعلام لم يخطئ حتى يستقيل، وقال: " نحن لا نقبل أن تتدخل السعودية لا في تركيبة الحكومة اللبنانية ولا بمن يكون جزءاً من الحكومة ".
إنطلاقاً من هنا وصلت الرسالة الى رئيس الحكومة، فاستعان بالرئيس نبيه بري الاطفائي لكل الازمات، الذي وعده خيراً لكن المسألة تحتاج الى وقت، مع التأكيد وفق مصادر ميقاتي، بأنه وعلى الرغم من السلبية التي تلقاها، فهو مصمّم على إخماد الازمة بالطرق الديبلوماسية، لانه يرفض قطع العلاقات مع اي دولة عربية، فكيف اذا كانت المملكة العربية السعودية؟، التي لطالما وقفت الى جانب لبنان وساهمت في إعماره على مدى عقود من الزمن.
في غضون ذلك تلفت مصادر سياسية مقرّبة من المملكة، الى انّ الازمة الى تفاعل، وهذا ما تأكدنا منه يوم امس مع مغادرة الطواقم الديبلوماسية والادارية من السفارة السعودية من مطار بيروت، مما لا يبشر بالخير ويشير الى ما لا يحمد عقباه، لذا فالمطلوب تدّخل على نطاق اوسع اي دولي ومن عواصم القرار تحديداً، على الرغم من الوعود التي اطلقتها باريس في هذا الصدد، لكن المواقف لا تكفي والمطلوب وساطة جدّية وليس الاكتفاء بدعم بقاء الحكومة الميقاتية، ودعوة لبنان الى الابتعاد عن الازمات الاقليمية، لانّ المشكلة وقعت ويجب ان نصل الى حل، نأمل تحقيقه مع دخول جامعة الدول العربية على الخط، عبر قدوم الامين العام المساعد حسام زكي الى بيروت يوم غد الاثنين، لأنّ إستمرار الخلاف الديبلوماسي مع دول الخليج سوف يغرق الحكومة الى امد بعيد، في الوقت الذي تبحث فيه عن دعم عربي لإقتصادها المنهك، وتواجه المشاكل والملفات المتراكمة.
واملت المصادر المذكورة مع دخول الرئيس بري في قلب الوساطة، ان تتبلور الامور الايجابية قريباً، اقله البدء بمعاودة جلسات مجلس الوزراء، وصولاً الى البحث عن مَخرج يخفف من مفاعيل تلك الازمة الخليجية مع لبنان شيئاً فشيئاً...