رحيل دندش
نحو 9 آلاف شخص، من ذوي الاحتياجات الخاصة، مهدّدون بترك مؤسساتهم الرعائية، تحت وطأة الأزمة الاقتصادية، وفي ظل عدم تقاضي هذه المؤسسات مستحقّاتها من الدولة منذ عام 2019. عجز المؤسسات عن تأمين الموارد الكافية قد يضطرّها إلى الإقفال
قريباً، ستتوقّف مؤسسات الرعاية الاجتماعية والجمعيات الخيرية المتعاقدة مع وزارة الشؤون الاجتماعية عن خدمة نحو 50 ألف شخص ينتمون إلى فئات المجتمع الأكثر هشاشة وتهميشاً وحاجة إلى الرعاية (ذوو الاحتياجات الخاصة، الأولاد اللقطاء، النساء المعنّفات، المدمنون، المسنّون...)، ما ينعكس سلباً عليهم بالدرجة الأولى وعلى أهاليهم والمجتمع.
جمعيات كثيرة تخطّت مرحلة إطلاق صفارات الإنذار للإقفال وبدأت تفرغ من روادها. بعضها أقفل أقساماً علاجية مهمة لحاجة معدّاتها إلى المحروقات وبسبب كلفة صيانتها العالية أو فقدان جزء كبير من الأدوية العلاجية، ولا سيما أدوية المدمنين. بعضها الآخر قلّص البرامج وخفّض عدد أيام استقبال التلامذة. وفيما يمتنع موظفون عن الالتحاق بأعمالهم في المؤسسات بسبب الكلفة المرتفعة للتنقل، احتفظت بعض المؤسسات بالموظفين الأدنى أجراً وتحوّلت إلى شبه مطعم (تقدم الغداء الذي ارتفعت كلفته أيضاً)، بعدما أصبحت عاجزة عن دفع أجور الأطباء والتربويين والمعالجين المتخصّصين.
يؤكد رئيس الاتحاد الوطني للإعاقة العقلية موسى شرف الدين، أن «35 في المئة من موظفي هذه المؤسسات صُرفوا من الخدمة. أما في ما يتعلق بالخدمات المتبقّية فتواجه المؤسسات مستحقاتها المالية باللحم الحي. وعليه فإن القطاع ذاهب إلى الإقفال، وما يحصل هو مجرد تمرير وقت في انتظار البتّ النهائي لوزارة الشؤون الاجتماعية للبدل المقرّر للجمعيات المتعاقدة معها». علماً أن الوزارة وعدت أخيراً برفع البدل من 19 ألف ليرة وفق سعر كلفة عام 2011 إلى 27 ألفاً وفق سعر كلفة عام 2012، على أن تبدأ بالدفع بداية عام 2022. لكنّ الكلفة الحقيقية اليوم تتعدى هذا الرقم بكثير وتوازي نحو 11 دولاراً يومياً أي 220 ألف ليرة، وهي ترتفع تبعاً للحالات ومدى صعوبتها.
وكانت الجمعيات طالبت على مدى السنوات السابقة بتطبيق المرسوم الرقم 5734 بتاريخ 29/9/1994 وتعديلاته (تنظيم وزارة الشؤون الاجتماعية) الذي ينص على إصدار سعر الكلفة بصورة أوتوماتيكية سنوياً خلال آذار من كل عام، لكن من دون جدوى. وبحسب شرف الدين، «قرار الدفع، وفق كلفة عام 2012، صدر أخيراً وينبغي تنفيذه، إذ لا سبيل لأي حل آخر، فالدولة مفلسة».
جمعية Step together المتخصّصة في رعاية من يعانون من تأخّر عقلي وصعوبات تعلّمية، اضطرت أخيراً، لفسخ العقد المهني مع وزارة الشؤون الاجتماعية وتخلّت بموجب ذلك عن 160 طالباً من «الكبار»، وتركت الأولوية لصغار السن الذين تعتبرهم أكثر حاجة. وبحسب مديرة الجمعية، ريم معوض، «بقي لدينا 200 طفل من ذوي الحاجات الخاصة، القسط السنوي لكل طالب منهم هو 13 مليوناً»، مشيرة إلى أن هذا الرقم «سيرتفع لكون التعديل حصل قبل رفع الدعم عن المحروقات، خصوصاً أننا رفعنا رواتب المعلمات بنسبة 30 في المئة».
35 في المئة من موظّفي مؤسّسات الرعاية صُرِفوا من الخدمة
الحال أن تأثير ذلك سيكون وخيماً، خصوصاً أن هذه الفئات تحتاج إلى رعاية خاصة بهدف تطوير مهاراتها والحد من تطوّر مشكلتها، والمؤسسات تعتمد على اختصاصيين نفسيين وتربويين، وهذه الرعاية لا تتوفر في بيوت ذوي الطلاب. كما أن إقفال المؤسسات سيجعل، كما قال شرف الدين، معظم هؤلاء «ينسون تدريجياً كل ما اكتسبوه في المؤسسات، وقد تتفاقم حالتهم ويصابون بأمراض عقلية. وقد اختبرنا ذلك أثناء التعليم عن بعد، حيث غالبيةمعظم الأهالي لا يملكون أي فكرة عن وسائل التواصل، وما ضاعف مشاكلهم كان تركيز الأهل على الأولاد الأصحاء وإعطاء تعليمهم أولوية على الأبناء من ذوي الاحتياجات الخاصة». وأضاف: «هؤلاء الأشخاص يحبون الاجتماع، ومع الإغلاق سيجدون أنفسهم يبتعدون عن محيطهم المألوف، ما يخلق لديهم عزلة ذاتية إضافية. هذا الأمر يشتد بالنظر إلى خصوصية كل حالة، ولا سيما بالنسبة إلى مرضى التوحّد الذين قد تثيرهم طرطقة الصحون في المنزل».
معوض رأت أن إقفال هذه المؤسسات أو تقليص المستفيدين من خدماتها سيحرم هؤلاء من «الاندماج الفعّال في مجتمعاتهم»، لافتة إلى أن ذوي الاحتياجات الخاصة وخصوصاً الصغار منهم سيتعرّضون للانتكاسة إذا لم يتلقوا هذه الخدمة والرعاية.
لكن ماذا عن مصادر التمويل الأخرى؟ تلفت معوض إلى أن أكثر المموّلين من أصدقاء الجمعيات لا يستطيعون سحب أموالهم من المصارف، لذا تراجعت التبرّعات حتى تكاد تنعدم. وكثير من التحويلات إلى الجمعيّات الخاصّة التي تُعنى بالأيتام والمسنِّين وذوي الاحتياجات الخاصّة توقفت أو يتم تقاضيها بالليرة. أما عن خيار مساهمة الأهالي في دفع الأقساط لتستمر الجمعيات في توفير الخدمة، فيؤكد شرف الدين أن الأمر «صعب جداً، إذ أن معظم من لديهم إعاقات ينتمون إلى الشرائح الاجتماعية الأشد فقراً، وكلما ازداد الفقر ازدادت الإعاقة».
المدير العام لوزارة الشؤون الاجتماعية عبدالله الأحمد، أوضح أن المؤسسات الرعائية التي تهتم بالأيتام والأطفال الفقراء وكبار السن والنساء المعرّضات للخطر لم تقبض حتى الآن أي فاتورة عن عام 2020، علماً بأن وزارة الشؤون الاجتماعية أرسلت إلى وزارة المال حسابات فاتورتين من أصل أربع، مشيراً إلى أنه اقترح على الوزير «إعطاء هذه المؤسسات سلفة تصل إلى حدود 60 في المئة من قيمة الخدمات التي تقدمها، لكونها تتأخر عادة في إعداد جداول تصفية المعاشات، وهذا ما يؤخر الصرف والدفع، علماً أن هذه المؤسسات لا تزال تتقاضى بدل الخدمات بحسب سعر كلفة عام 1997، والذي يُقدر بـ 6750 ليرة للمستفيد عن كل يوم، وهي كلفة متدنّية وهناك سعي جدّي لإعادة النظر فيها».
أما مؤسسات رعاية المعوقين، فقد «تقاضت، فاتورتين فقط من أصل أربع، وقد أرسلنا كتباً إلى وزارة المال لصرف الفواتير المتبقّية».
عقود هذه المؤسسات مع وزارة الشؤون الاجتماعية لعام 2021، أنجزها ديوان المحاسبة، لكن بقيت ملفات خمس مؤسسات عالقة. ووفق الأحمد، ستتقاضى هذه المؤسسات أيضاً سلفة عن خدماتها، «وهناك سعي مع وزارة المال لتطبيق سعر كلفة عام 2012 بدلاً من سعر كلفة عام 2011». ولفت إلى مساعٍ تبذلها الوزارة مع مصرف لبنان والمصارف لعدم تقييد السحوبات لهذه المؤسسات لأنها لا تحتمل التقتير والتأجيل.
بالأرقام
5 إلى 10 في المئة من كل مجتمع هم من ذوي الاحتياجات الخاصة والفئات الهشّة التي تحتاج إلى رعاية. بهذه الحسبة فإن نحو 500 ألف لبناني يتطلّبون رعاية خاصة. يمتلك نحو 112 ألف شخص بطاقة من الشؤون الاجتماعية وينتمون إلى كل الأعمار. وتشير التقديرات إلى أن نحو 38 ألفاً منهم لديهم إعاقة عقلية، فيما المؤسسات التي ترعاهم وعددها 103 وتقدم خدماتها بموجب عقود مع وزارة الشؤون الاجتماعية تستقبل 9 آلاف شخص فقط وتعاني من الاكتظاظ. فيما ترعى نحو 197 جمعية ومؤسّسة حوالى 40 ألف شخص ينتمون إلى فئات مختلفة مثل (المسنّين، الأيتام، المدمنين، الأطفال اللقطاء، النساء المعنّفات...).