رمال جوني
نكسة خطيرة منيت بها شتلة التبغ في الجنوب، فالريجي لم تنصف مزارعيها هذا العام، ألحقت بهم الغبن والاجحاف بالسعر الذي لم يتجاوز الـ40الف ليرة، فيما يطالب المزارع بـ100الف ليرة ثمناً للكيلو الواحد ليتمكن من مزاولة مهنته المرّة التي إعتاد عليها طيلة السنوات الماضية.
وبالرغم من تقلص المساحات المزروعة باللقمة المرة في منطقة النبطية وحتى في الجنوب، نتيجة سياسة الريجي القاهرة بحق المزارعين، فهي لم تعطهم حقهم يوماً، ولم تنصفهم حتى في خضم أصعب ازمة تواجه المزارع ليصمد في زراعته. على العكس، كالت لهم بمكيالين، وضربتهم بالسعر القاسي بحيث أعطت الكيلو باب اول 45 الف ليرة، فيما كان في الاعوام السابقة يُسعّر بـ9 دولارات وهو مطلب المزارعين اليوم ليواصلوا رحلة شقائهم الحلوة والمرة في آن، وإلا فلا زراعة للتبغ بعد اليوم.
لوّح المزارعون بالمقاطعة، وبدأوا اولى خطوات التصعيد برفض تسليم الريجي محصولهم لهذا العام، إنطلاقاً من قاعدة "حقي بدي ياه ممنوع تاكله"، معتبرين أن الريجي تتعامل معهم وفق سياسة العصا والجزرة، معتمدة على الترهيب غير المباشر، خاصة وأنها الجهة الحصرية المخولة شراء محاصيل الدخان من المزارعين، فكيف سيواجه المزارع هذا العلقم في حقه؟
لم تتعلم ادارة الريجي من اخطاء السنوات الماضية، ولم تنصف يوماً المزارع، على العكس استغلته حتى الثمالة، وحققت على حسابه ارباحاً طائلة، فيما المزارع يعيش الويلات، فهو ينتظر حولاً كاملاً ليتقاضى ثمن تعبه، ويتكبد اموالاً طائلة بين حراثة وشتول وأجرة يد عاملة ومياه واسمدة، وكلها اليوم بالدولار، فيما سعر كيلو التبغ لم يتجاوز الـ2 دولار، في حين ان ثمن حراثة دونم الارض توازي 300 الف ليرة. فلماذا تتعاطى الريجي بهذه الخلفية مع المزارع وهل تدفع بهم نحو الاقلاع عن زراعة شتلة الصمود الجنوبية، أم تستغلهم لتحقيق الارباح على حسابهم؟ ولماذا لم تنصفهم بأبسط حقوقهم، فلا ضمان لهم ولا تأمين ولا من يحزنون، علماً ان معظم العاملين في هذا القطاع هم نسوة، وجدن في زراعة التبغ فرصة عمل لمواجهة صعوبات الحياة غير انهن بدأن بالتفكير بالعدول عن زراعة اللقمة المرة، وفق ما يؤكد حسن ناصرالدين الذي اكد انه لم يسلم الريجي محصوله، ولن يفعل كثر مثله، في خطوة تعدّ ورقة ضغط لتحصيل ادنى حقوقهم وهي "الـ9 دولارات للكيلو ليتمكنوا من الصمود"، مشيراً الى ان الريجي "تتعاطى مع المزارع كأنه منجم ذهب لها، وآخر همّها معاناته وصعوبة تأمين الاسمدة والشتول التي تفرض بالدولار، فكيف سنسلم تعبنا لمن يريد سلخ جلدنا"؟
بالمقابل، أكد المزارع كمال فقيه "أن المزارعين لم يتمكنوا من مواصلة الزراعة على هذا المنوال، ومع الاسف بدل أن تقف الريجي معنا وقفت ضدّنا، وهيك ما بيمشي الحال، قد نضطر للتوقف عن الزراعة وحينها ستخسر الدولة والريجي اهم قطاع منتج في لبنان فهل هذا ما تريده"؟
لم تتخلّ أم علي عن شتلة التبغ، فرغم مرورتها بقيت سندها، تواجه من خلالها صعوبات الحياة، غير أنها هذا العام منيت بنكسة السعر، فرفضت تسليم تعبها، "اذ يكفي أننا محرومات من حقوقنا، الا وتريد الدولة نهب تعبنا، لن نرضى"، وتلوم "نواباً انتخبناهم ولم يعطونا حقوقنا، نصفق لهم، وهم لا يروننا"، وتوضح ان زراعة التبغ "تتطلب عمل حول كامل، ومصارفات كبيرة، نضطر أن نستدين لنؤمن مصارفات الزراعة التي لم تشهد تطوراً على مر السنوات، لم تلحظ إدارة الريجي يوماً زيادة في سعر الكيلو بل ضربتنا بالسعر اليوم بـ40 الفاً ونحن نريد 100 الف ليرة حقنا المشروع، رغم أن الريجي تبيعها بأسعار مضاعفة جداً، أي أنها "تستغل تعب المزارعين لتحقيق أرباح طائلة" وفق أحد المزارعين، فيما لا يطال من يشقى ويتعب سوى الفتات، هذا ما دفع بكثر للتخلي عن تلك الزراعة وإستبدالها بالملوخية التي جاوز سعرها الـ135 الف ليرة لبنانية، وعملها ليس صعباً مقارنة مع عمل التبغ الذي يتطلب فوق الـ14 ساعة يومياً، تبدأ من ساعات الفجر الأولى وتستمر حتى بعيد الظهر، مع تعب وجهد كبيرين، ورغم ذلك لم تحظ العاملات بالذهب الأخضر بأبسط حقوقهن، ما زلن يكافحن بلا معيل قانوني، ما دفع بمعظمهن للسؤال عن حقوقهن المسروقة منذ زمن، ولولاهن لما بقيت الزراعة صامدة طيلة العقود الماضية، ومع ذلك لم تخصص لهن الدولة او الريجي أي حقوق، بل تعتمد نظام السرقة الممنهجة لحقوقهن عبر خفض سعر كيلو التبغ بدلاً من رفعه، مستغلة صمتهن وعدم مطالبتهن يوماً بحقوقهن، وأكثر، مستغلة حاجتهن للزراعة في زمن الضائقة المعيشية وإضطرار كثر لمضاعفة حجم الأراضي الزراعية، ليتمكنوا من تأمين متطلبات حياتهم.