باميلا كشكوريان السمراني
في خضمّ الأزمة الإقتصادية وفي عزّ فورة فقدان المحروقات ورهنها للسوق السوداء من جهة ، ورفع الدّعم وارتفاع غير مسبوق في أسعارها من جهة أخرى، أرادت مجموعة من المستثمرين في جبيل إطلاق مشروع النّقل المشترك الذي كان قد أطلقه النائب زياد الحواط عام 2019 وقد جُمّد حينها نظراً لحلول جائحة كورونا وبدء الأزمة الإقتصادية في لبنان بعد «ثورة 17 تشرين».
يروي المدير التنفيذي للمشروع يوسف القصّيفي لـ «الدّيار» أن العمل على المشروع استؤنف في آذار الفائت وبدأت التحضيرات والدراسات الى أن أبصر النّور وأقلعت الباصات الأسبوع الفائت، بعد عراقيل لوجستية عديدة أخّرت الإنطلاقة ، وأضاف: «انه بالرغم من معرفتنا بأنّ المشروع لن يسجّل أرباحاً في الوقت الراهن نظراً للظروف الصعبة التي تعصف بلبنان، إلّا أنّ خدمة أهلنا الجبيلين هي الأساس، مع العلم بأنّ جميع نفقات المشروع من مازوت ورواتب موظّفين وما إلى ذلك، ستُغطّى من عائدات المشروع وليس من ريعِ فردي. فحتّى الآن قد تمكّنا من تثبيت بحدود 58 محطّة في معظم القرى الجبيلية تنطلق الباصات منها وإليها عبر ضيع القضاء وفقاً لمواعيد محدّدة مسبقاً ،علماً أننا لا نزال حتّى السّاعة نعدّل بالمواعيد بما يتناسب مع أوقات التنقلّات الفردية، على أن نستكمل إضافة المحطّات في القرى المتبقية من القضاء تباعا».
وعن عدد الباصات المستثمرة وحركتها يقول: «استطعنا بداية وضع تركيبة «ذكية»، عبر استثمار باصات في حالة جيّدة جداً، ومملوكة لشخص، استأجرتها شركتنا منه، بينما كانت مركونة ولا يستفيد منها صاحبها. فهذا المشروع سيغطّي قضاء جبيل بأكمله، بحيث قُسّم القضاء إلى 7 خطوط، ضمنها 6 خطوط تسير من القرى إلى جبيل، وخطّ يسير ما بين جبيل والمحيط مثل حبوب ومستيتا وغيرها، إذ تسير الباصات جميعها إلى محطة أساسيّة في مدينة جبيل. إلى جانب باص ينطلق من جبيل إلى بيروت وبالعكس».
وعن ضمان سير هذه الباصات في ظلّ أزمة المحروقات المتأرجح بين الأسعار المرتفعة وفقدانها يؤكّد: أنّه « تمّ الإتفاق مع شركة محروقات في عمشيت، لتزويدها بشكل متواصل بالمازوت، لأنّ الاستمراريّة هي الأهم. وأنّ بدل النقل، سيكون متحرّكاً بحسب المسافة التي يقطعها الراكب حيث تبدأ الرحلة بـ7000 ليرة، تشمل أوّل 5 كيلومترات، ويُضاف 700 ليرة لكلّ كيلومتر إضافيّ. وتبلغ تعرفة النقل من جبيل إلى بيروت بحدود الـ25 ألف ليرة. ووضعت التعرفات بحيث أنّها تشكّل حوالى ربع كلفة النقل، إذا ما أراد الشخص أن يستقلّ سيارته الخاصّة للمشوار نفسه. كما أنّ طريقة الدفع في الباص ستكون عبر بطاقات مسبوقة الدفع، يتمّ شراؤها من المحطة الرئيسية في جبيل أو من دكاكين القرى ويمرّر الراكب البطاقة على «السكانر» في الباص للدفع عند الدخول والخروج، بحيث يحسب النظام أوتوماتيكيّاً المسافة، ويخصم التعرفة من البطاقة تماماً كوسائل النّقل في البلدان الأوروبية كون أنّ المشروع هو الأوّل في لبنان ويعتبر المشروع النموذجيّ الأوّل في قطاع النّقل كما أنّنا نُشدّد على تطبيق البروتوكول الصحّي لجهة الوقاية من فيروس كورونا فنستخدم 50% من القدرة الإستيعابية لكلّ باص مع المحافظة على التباعد الإجتماعي وارتداء الكمامة».
وعن الخطوات اللاحقة بعد إطلاق المرحلة الأولى يقول القصيفي:»نعمل الآن على انطلاق المرحلة الثانية التي ترتكز على شمل الأعداد المتبقية من القرى إضافة الى دمج خدمة «تاكسي» كون أنّ الباص لا يشمل الطرق الفرعية والأحياء، فسنعمل جاهدين على تأمين الخدمة كاملة للمواطن. فهذا المشروع هو نموذجي وجديد في لبنان، ونحن الآن نتعلّم فيه ونبحث عن ثغراته لتحسينه، وليكون جاهزاً للتوسّع فيه في المرحلة المقبلة، فنحن قمنا كأفراد بتنفيذه في ظلّ غياب خبراء النقل في لبنان».
وشرح أنّ جميع المعلومات التي يرغب الناس في معرفتها ستكون موجودة في المحطة الأساسية في جبيل، وفي المحطات في القرى. كما سيكون هناك تطبيق على الهواتف لمعرفة جميع المواعيد وتتبّع الباصات سيعمل على إطلاقه في وقت لاحق.
استقلّ فريق الدّيار أحد الباصات من جبيل باتجاه عنّايا، والتقى بأحد الركّاب الذي أثنى على الخطوة التي سهّلت حياة المواطنين وتنقّلاتهم، خاصّة بعد أن قضت أزمة المحروقات على أحلام تنقّلاتهم وقال: «الفكرة أكثر من رائعة وبالرغم من أنّها قيد التجربة وفي طور الترتيب، إلّا أنّها وفّرت علينا عناء التنقّل ودفع أثمان باهظة لقاء تنكة بنزين، وحتّى أنّ هذه الخطوة تساهم في تثبيتنا في قرانا وعدم نزوحنا للسكن على الساحل، كما وتدّعم فينا أفكاراً استثمارية في قرانا من مشاريع بيئية وزراعية وسياحية وغيرها».
يأتي مشروع النّقل المشترك النموذجي في جبيل كبصيص نجمة تضيء بصمت عتم مدينة وجمود حركة شلّتها الحالة العامة في لبنان اقتصادياً ونفسياً. فهل ستحذو باقي المناطق حذو جبيل وتصبح بدعة النقل المشترك المناطقية موضة يستفيد منها اللبنانيون؟