كيف تمّ تأجيل الإنهيار الى هذه المرحلة؟
كيف تمّ تأجيل الإنهيار الى هذه المرحلة؟

أخبار البلد - Friday, October 29, 2021 6:00:00 AM

ناريمان شلالا - الديار 

انطلقت مسيرة بناء مؤسسات الدولة اللبنانية، مع تأسيس لبنان دستوريًّا في العام ١٩٢٦، إن على الصعيد الإداري أو الثقافي أو الإجتماعي أو الاقتصادي. في حينها، قامت دولة الإنتداب وعمدًا، بالتركيز على تنمية قطاع الخدمات وتحديدًا التجارة. فتطوّر المرفأ عبر السنين، بهدف تحويله إلى نقطة تجارية استراتيجية في المنطقة، وبهدف تسهيل التبادل التجاري وبشكل أساسي مع فرنسا. منذ ذلك الحين، أُهملت القطاعات الإنتاجية في لبنان، والتي لم يكن مردودها ليغطّي سوى «الإكتفاء الذاتي». وتغاضت سلطات الإنتداب عن تدعيم الاقتصاد اللبناني عمومًا، وبخاصة الزراعة والصناعة. كذلك، أدخلت فرنسا لبنان في سياسة العملة الفرنسية؛ أي الفرنك، مقابل العملة الوطنية. وأوكلت لبنك سوريا ولبنان إصدار العملة.


 
يروي أستاذ التاريخ في الجامعة اللبنانية، الدكتور روني خليل، أنّ لبنان كان خلال فترة الإنتداب، ضمن دائرة الاقتصاد الموجّه من فرنسا. لكنّه لم يكن يعاني حينها من أزمة الديون والفساد ومن كل ما يعانيه اليوم. غير أنّه تابع بعد الاستقلال، بنفس السياسة الاقتصادية؛ أي بالاعتماد على قطاع التجارة والخدمات. الأمر الذي جعل من اقتصادنا، اقتصادًا أحّاديًّا، يقوم على ركيزة واحدة؛ التي وإن تعدّدت أوجهها، من سياحة ومصارف وتعليم واستشفاء... تبقى بعيدة عن إنتاج السلع، وعرضة للتبدّلات والتغيّرات إذا ما ترافقت مع نمو اقتصادي وطني وشامل.

يضيف: في مرحلة لاحقة وتحديدًا في الستّينات، بدا الاقتصاد اللبناني «قويّ»؛ لأنّه فتح باب السياحة واستقطب السوّاح من مختلف أنحاء العالم. تألّقت في ذلك الحين المصارف اللبنانية، باعتمادها نظام الفوائد والسرّية المصرفية على عكس بلدان عربية عديدة، ما شجّع المستثمرين العرب إلى حدّ كبير. وبحسب الدكتور خليل، فقد ظهرت فورة مالية متأتّية من أموال النفط العربي المستجد بعد خمسينيات القرن الماضي.

ويشير الى انه وعلى الرغم من تبدّل متطلّبات الحياة، لم يحدث أي تبدّل على صعيد الاقتصاد الوطني. وانحصر القطاع الصناعي بنشأة بعض الصناعات الخفيفة كصناعة الأخشاب والموبيليا والحلويات... وكانت المصانع ذات طابع عائلي، حيث لم يتعدّى موظفيها العشر موظفين. أمّا الزراعة، فتطوّرت بعد فتح حدود لبنان مع الدول العربية، ونشطت حركة تصدير الإنتاج الزراعي لا سيّما التفاح مع مصر وليبيا والأردن... فيما بعد وقبيل الحرب اللبنانية، انقطعت علاقات لبنان الخارجية بعد دخوله بأحلاف عديدة، وبسبب الخلافات والانقسامات الداخلية التي نتجت عن الحرب. فتراجعت الحركة التجارية، وتقطّعت أوصال البلاد سياسيًّا واقتصاديًّا. وراجت حينها تجارات غير شرعية (كبيع السلاح، والمخدرات...)

يستكمل خليل سرده التاريخي وصولًا إلى ما بعد الحرب، ومع عملية إعادة البناء، حيث عادت الحركة الاقتصادية غير المنتجة إلى طبيعتها، واستعادت المصارف والسياحة عافيتها تدريجيًّا بعد استتباب الأمن، وساهمت سياسة الرئيس الشهيد رفيق الحريري وعلاقاته العربية، في تشجيع المتموّلين العرب للمجيء إلى لبنان، بهذا أصبح اقتصادنا ريعي. وعمدت المصارف آنذاك على رفع فوائدها مقارنة مع دول أخرى، فلم يعد المتموّل بحاجة للاستثمار بقدر ما بات همّه ايداع أمواله بالبنوك، للحصول على فوائد وهمية غير مغطّاة باقتصاد منتج. هذا ما انعكس سلبًا على بعض القطاعات أو المهن، عن قصد أو غير قصد. فمثلًا، توقّف إنتاج الملّاحات في شمال لبنان، تزامنًا مع استيراد الملح من دول عربية بنتيجة اتفاقات غير متكافئة. وفي ما يتعلّق بالاستفادة من مياهنا الداخلية، فقد عقدت اتفاقيات سنة ١٩٩١ من ضمن مجموعة اتفاقيات كانت مجحفة بحق لبنان، حرمت لبنان حصّته من مياه العاصي على سبيل المثال. كذلك تقهقر الإنتاج الزراعي كالتفاح، الذي تهدّد تصديره مع تراجع العلاقات اللبنانية الليبية، والتي كانت تستورد نسبة كبيرة من الإنتاج العام.

وعلى مرّ السنين، يضيف خليل: راح لبنان يغرق في ديونه، وفي كل مؤتمر دعم (باريس ١ وباريس ٢...)، كان يؤجّل الإنهيار إلى حين وليس أكثر. واستمرّت السياسات في تعويم الاقتصاد على الأوهام، من دون تفعيل القطاعات الإنتاجية ومن دون مواكبة الاقتصاد العالمي في تقدّمه، إلى أن وصلنا الى ما وصلنا إليه اليوم.

ويؤكّد ، أنّنا نملك مقوّمات اقتصادية لا يُستهان بها، كالموارد الطبيعية؛ من رمل وبحص وترابة، إلى المياه حيث نملك ١١ نهرًا ساحليًّا و ٣ أنهر غزيرة في الداخل. إنّ ثروة لبنان المائية كانت لتمكّنه من بيع الفائض إلى البلدان المجاورة ومن توليد طاقة كهرمائية. كذلك تساهم العوامل المناخية والفصول الأربعة، إلى جانب تعّدد أنواع الترب في لبنان، بتوسيع دائرة المحاصيل الزراعية لتشمل أنواع مختلفة. يوجد في لبنان مساحات واسعة لا تزال غير مستثمرة، ويمكن الاستفادة من الجبال والسهول والشواطئ الساحلية. لا ننسى مشاعات الدولة، وإمكانية زراعتها أو تأجيرها لمستثمرين لبناء مصانع ومعامل، وتقديم إعفاءات ضريبية لها.

وبالحديث عن مقوّمات لبنان، يتوقّف خليل عند الموارد البشرية، والكفاءات العالية في مختلف المجالات. فبواسطة هذه الأدمغة وعلى سبيل المثال لا الحصر، يمكن اعتماد مبدأ المكننة الذي يوفّر الكثير من الوقت وزحمة السير ويسهّل المعاملات بدل تعقيدها. كذلك يمكن تحديث مختبرات أبحاث لا سيّما على الصعيد الطبّي. كما يمكن توسيع الطرقات ومدّ شبكة حديثة تصل إلى الجبال والداخل، من أجل بقاء المواطنين في أرضهم ومناطقهم بدل نزوحهم إلى المدن، وبالتالي تشجيع السياحة الداخلية وبخاصة الريفية.

اذاً، لبنان قادر على النهوض، شرط إعادة اعتماد وزارة التخطيط لحسن استثمار موارده ومقوّماته. وشرط تحسين علاقاته مع الخارج بعيدًا عن المواقف السياسية من أجل إحياء حركة التصدير والاستيراد. 

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني