جوزيت الحجل
لا يتطلب الامر تنبؤ ميشال الحايك ليدرك المواطنين اللبنانيين ان عام 2020 سيكون عام الظلام. الازمة التي تطال لبنان ستؤجج ازمة الكهرباء بحيث ستزداد ساعات الانقطاع لدرجة ان حتى المولدات الخاصة لن تستطيع ان تملئ الفراغ في بعض المناطق. تتعدد الأسباب لهذه الازمة لكن أهمها عدم قدرة الدولة على استيراد بضائع لأنها غير قادرة على تأمين السيولة اللازمة لشراء الفيول اويل.
تستورد الدولة اللبنانية الفيول اويل عبر عقود موقعة مع الدولة الجزائرية والدولة الكويتية سارية منذ عام 2005. وقد تم تجديد تلك العقود في تشرين الثاني 2017 بقرار من مجلس الوزارء مجتمعا. لكن عام 2019 شهد تدهور للأوضاع المالية للدولة اللبنانية فبدأت الكميات المستوردة تقل حسب بيانات شركة كهرباء لبنان. مع العلم ان القطاع كان يعاني من سوء الإدارة في المشتريات مثلما حصل عام 2018 عندما اضطر رئيس مجلس الوزراء، والوزراء المعنيين للتدخل لتفريغ حمولة بسبب تأخير اصدار الاعتمادات المطلوبة ما هدد بانقطاع الكهرباء بسبب عدم توافر مادة الفيول اويل للمعامل المنتجة.
ومع إقرار سلة الإصلاحات للحصول على قروض مؤتمر سيدر، إلتزمت الدولة اللبنانية بتخفيف عجز الكهرباء في لبنان، الذي انعكس بوضع سقف للسلف المعطاة لشركة كهرباء لبنان لشراء فيول اويل و الغاز اويل. حدد السقف بمليار دولار مع العلم ان كهرباء لبنان بحاجة تقريبا لكميات بقيمة مليار ونصف الى مليارين بمعدل الأسعار العالمية الحالية للبضائع. ما يعني ان الإصلاحات فرضت تخفيف قدرة توليد الطاقة في شركة كهرباء لبنان بسبب شح كميات الفيول اويل و الغاز اويل المشتراة. هذا الوضع بدأ يظهر في زيادة ساعات التقنين في كل لبنان، وموازنة 2020 المطابقة لشروط سيدر تعني خفض ما يقارب أكثر من ثلث الإنتاج لدى شركة كهرباء لبنان، ما يعني زيادة عدد ساعات التقنين بذات النسبة.
ومع بداية الثورة في 17 تشرين الأول 2019 تدهورت الأوضاع المالية العامة، واصبح تأمين حتى المليار دولار اصعب على خزينة الدولة لتقديمها كسلفة لشركة كهرباء لبنان، كما ان إقرار الموازنة اصبح ملزما للحكومة، فالظلام سيحل على لبنان بساعات تقنين قد تصل الى 16 ساعة من الانقطاع في بعض المناطق، وستتأثر كذلك العاصمة بيروت التي كانت تصلها 21 ساعة من الكهرباء التي قد تتراجع لمستوى 16 ساعة حسب بعض المصادر المطلعة في شركة كهرباء لبنان. وبذلك فان المناطق النائية قد تمر ساعات عليها من دون أي كهرباء ما يجعل من المستحيل على مولدات الاحياء ان تؤمن كل ساعات الانقطاع، وتقوم بدورها بتقنين ساعات التغذية، خاصة في حال استمرت شركات المستوردة للنفط بتقليل الكميات التي تستوردها بسبب سياساتها للضغط على الدولة أو بسبب عدم قدرتها على تأمين الاعتمادات للإستيراد.
ويبقى الحل الأنسب، هو امداد كل المعامل في لبنان بالغاز الذي هو اقل كلفة بنصف مليار دولار تقريبا بالسنة على معدل انتاج الحالي في معامل شركة كهرباء لبنان. وهذا المبلغ كافي لتمويل معمل كهرباء جديد كل سنة بقوة 500 ميغاوات. وعقود الغاز تم التفاوض عليها سابقا مع الدولة المصرية التي أعلنت الوزيرة مؤخرا عن ارسال مبعوثين لمحاولة تفعيل تلك التجارة ما بين الدولة اللبنانية والدولة المصرية. بالإضافة الى البت بمناقصة محطات التغويز FSRU التي تسمح للبنان باستيراد الغاز السائل وإعادة تغويزه لتشغيل معامل الطاقة في لبنان.
في الخلاصة، عام 2020 سيكون عام الظلام، ليس فقط بالسياسة بل بالكهرباء ايضا. الصعوبات في لبنان تزداد ولا حل سياسي في الأفق يسمح بتطبيق حلول جذرية للمشاكل البنيوية واشكاليات البنى التحتية في لبنان أهمها الكهرباء. الشعب اللبناني سيتحمل ظروف اقصى مما يتعرض لها اليوم. ربما الثورة او تدخل دولي او وعي بعض المسؤولين قد يبدل الأوضاع، لكن حتى ذلك الحين سيحل الظلام.