أسامة القادري
بعد ارتفاع حرارة الطقس الإنتخابي في عاصمة البقاع، وضعت العائلات الزحلية التقليدية الزعامات التاريخية فيها أمام مسؤولياتها عن غيابها عن قرار المدينة السياسي، وادخال الخصوصية الزحلية في دهاليز المناكفات الحزبية الضيقة والتجاذبات في ما بينها. ما دفعها لأن تمسك بدفة المشاورات، كي تذهب بالصيغة التحالفية الجديدة قفزاً فوق الخلافات وتعالياَ على الشخصنة، لتدفع بالكتلة الشعبية كي تتبنى مرشحين من دون ترشيح رئيستها مريام سكاف خلافاً للآليات السابقة بهدف ابقاء المدينة في دائرة القرار السياسي الوطني، بعدما تحولت سكاف عبئاً ثقيلاً على الأحزاب، وأقوى من أن تطوّعها تسويات تحت راية حزبية او في لائحة تكون فيها رافعة للحاصل من دون أن تُحصّل رقماً.
هذا الواقع الضاغط دفع بالفاعليات الزحلية والبقاعية التي تدور في فلك السكافية "العتيقة" غير الحزبية لإتخاذ قرار خوض غمار الإنتخابات النيابية المقبلة، على قاعدة مواجهة الأحزاب المسيحية "التيار الوطني الحر" وحزب "القوات اللبنانية"، اللذين أعطيا "عاصمة الكثلكة" تمثيلها النيابي داخل المعادلة السياسية، بعدما أمست النتائج شبه محسومة بما خص أحد المقعدين الكاثوليكيين لحزب "القوات" والثاني بحسب الترجيحات قد يكون للنائب المستقل ميشال ضاهر. وهذا ما تشير إليه الإحصاءات والاستبيانات والوقائع الميدانية.
ووفق ما أكدته مصادر متابعة للشأن البقاعي لـ" نداء الوطن" فإن العائلات الرئيسية في المدينة أبلغت كلاً من الكتلة الشعبية والنائب السابق نقولا فتوش بالبحث عن ايجاد آلية لإخراج المدينة من "شرنقة" التمثيل الحزبي على حساب المدينة وخصوصيتها، مما استدعى اجتماع رئيسة الكتلة الشعبية مريام سكاف بقيادات وفاعليات الكتلة، للبحث في مسألة ترشيح السيدة سكاف أو أية شخصية كاثوليكية أخرى، على قاعدة خوض المعركة باستقطاب بقية القوى المستقلة، تمهيداً وتحضيراً لترشيح جبران سكاف نجل الراحل ايلي سكاف في انتخابات 2026، خاصة أن "الكتلة الشعبية" منذ 2009 لم تُمثل في البرلمان لتُسجّل في مرماها خسارتان في دورتين متتاليتين، وإضافة الى الخسارة الكبرى رحيل زعيمها عام 2015 وسط ازدحام الخطاب الحزبي والطائفي، فساهم ذلك في تقليص حالتها الشعبية في المدينة والقضاء، بعدما تسابقت القوى الحزبية على الغرف من الصحن السكافي الشعبي.
ثمة من يؤكد في زحلة أن إلحاح العائلات كان حافزاً لإحداث شرخ في دارة آل فتوش بين أبناء رجل الأعمال الراحل بيار فتوش (مدير وممول جميع الحملات في المعارك الانتخابية لشقيقه نقولا فتوش، ومؤلف اللوائح النيابية والبلدية)، وبين أعمامهم الذين يُريدون الإستمرار بترشيح النائب والوزير السابق نقولا فتوش رغم أن وضعه الصحي لا يسمح بذلك، والأبناء يصرّون على أن يكون المرشح ايلي نجل بيار فتوش، وبين الرأيين تتصاعد وتيرة الانقسام والخلاف لنسف الحالة الشعبية المؤيدة وإحداث تشرذم في كامل ماكينة آل فتوش الانتخابية.
ومع بدء معركة استحضار أحصنة السباق الى الندوة البرلمانية يحتم ذلك دراسة الواقع من أجل رسم الخط البياني لتوجيه التحالفات. من هذا المنطلق تشير مصادر مقربة من سكاف لـ"نداء الوطن" أن رئيسة الكتلة الشعبية حسمت خيارها بعدم التحالف مع الوطني الحر بعدما وصل النقاش بينها وبين عضو تكتل لبنان القوي النائب سليم عون الى حائط مسدود، كذلك هي الحال مع حزب "القوات"، بحسب المصادر فإن أبواب الحوار ما زالت موصدة.
أما في المقلب الآخر حيث يتموضع تيار المستقبل وينتظر عودة الرئيس سعد الحريري، تقول الأجواء ان الوضع مع سكاف على حاله منذ الاستحقاق السابق، بإعتبار أن مطالبها لم تتغيّر، "هي تريد مرشّحَين آخرَين (ماروني وارثوذكسي)، كما أنها تريد من المستقبل أن يُجيّر لها ستة آلاف صوت".
وفي سياق موازٍ يتردد في صالونات قياديي الكتلة الشعبية أن جميع أعضاء الكتلة مصرّون على إقفال باب التحالف مع "حزب الله" وذلك لإعتبارات وحسابات زحلية داخلية، ما يجعل الكتلة بين خيارين لا ثالث لهما، خيار تشكيل لائحة بمعزل عن جميع القوى برئاسة مريام سكاف حتى وإن تحالفت مع حزب الكتائب بعد خروج النائب السابق ايلي ماروني من دائرة ترشيحات الحزب، والذي كان يشكل حاجزاً منيعاً أمام تحالفاتهما، لا تُحصّل حاصلاً واحداً، ما يسجل عليها خسارة ثانية لها وثالثة للكتلة، وهذا ما لا تريده قيادات الكتلة ولا العائلات، أما الخيار الثاني والأقل خسارة بحسب ما تردده فاعليات الكتلة في مجالسها، فإن أقل الخسائر الممكنة هي خوض المعركة بالتحالف مع النائب ميشال ضاهر، بإعتبارها بحسب إحصاءاتها الأولية أن مثل هذا التحالف يرفع من نسبة التصويت المسيحي، ويغيّر المعادلات عدا أنه يجعل المعركة أكثر حماوة فيعطي إمكانية الفوز بمقعدين مقعد لضاهر ومقعد للكتلة الشعبية، وبرأيهم إن هذا الأمر يُفقد القوات مقعداً ويهدد بأن تخسر المقعد الثاني. كما يسبب ارباكاً للائحة تحالف "حزب الله" والوطني الحر ما يمنعه من ضخ فائض أصوات الحزب لمرشح الوطني الحر، لذا يكون فوز الكتلة بمقعد غير كاثوليكي، وبالتالي يشكلان بهذا التحالف والفوز مدماكاً أساسياً لخوض الانتخابات البلدية التي تلي النيابية، والأهم أن في كلتا الصورتين تُمهد الطريق لنزع كافة العثرات والألغام من امام نجلها جبران كون عوده لا يزال طرياً ولا يتحمل الانطلاق بالسباق بعد تراكم الهزائم وذلك بحسب الأجواء السكافية.
ويوم أمس أقامت الكتلة الشعبية قداساً وجنازاً لراحة نفس النائب والوزير السابق الياس سكاف في مطرانية سيدة النجاة، تميز بحضور شعبي لم يكن بقدر ما توقعته سكاف، وحضور سياسي اقتصر فقط على عضو تكتل لبنان القوي النائب سليم عون ما وضع جملة من التساؤلات حول حضوره، ودعوته في وقت عدم دعوة أي من الشخصيات السياسية في المدينة او حتى أي من القيادات الرسمية، ورداً على ذلك قالت مصادر من الكتلة لـ"نداء الوطن" إن "أي من سكاف أو الكتلة لم يوجه لسليم عون دعوة رسمية لحضور القداس، كما لم نوجه دعوات لباقي النواب والقيادات الرسمية والحزبية لأننا اردنا أن يكون القداس شعبياً بامتياز"، وتابع المصدر معتبراً حضور عون من دون دعوة هدفه تليين موقف سكاف للسير بالتحالف مع الوطني الحر.