ثريا عاصي - الديار
وقعت في يوم الخميس 14 تشرين أول الجاري أحداث في منطقة الطيونة (بيروت) يمكننا أن ننعتها بالمجزرة كونها أسفرت عن مقتل 7 أشخاص، جميعهم من طرف واحد، دون أن يتكبد المهاجمون أية خسائر بشرية.
كالعادة في لبنان، تعددت الروايات، وجميعها دون استثناء ملفقة أو مبتورة. فلكل فريق روايته التي يتشبث بها، ويصر على وجوب دخولها في الرواية النهائية التي من شروط صياغتها التوافق على عُـقمها، بحيث "يكون الحق على الطليان" كما يقول اللبنانيون وتُرفع الشبهة عن جميع الأطراف، صوناً "للسلم الأهلي" كما يقولون أيضاً. أما إذا تعذر التوافق على الرواية النهائية، فيستمر التحقيق بمساعدة خبراء من دول أجنبية تسدي النصائح وتشتري ملفات القضية عداً ونقداً . تجدر الملاحظة هنا إلى أن الجيش أصدر صباح يوم الخميس رواية ثم أصدر رواية أخرى في اليوم التالي، فعلق ناطق باسم أحد الأطراف "كلام الليل يمحوه النهار".
أغلب الظن، استناداً إلى الروايات التي تبثها القنوات المأجورة، أن فريقاً نصب كميناً مسلحاً لمسيرة نظمها فريق آخر ، فسقط سبعة قتلى من المشاركين فيها . أما مبررات هذه الفعلة، كما وردت على لسان "المنتصرين" فإنها تراوحت بين "اجتياز المتظاهرين حدود مناطق ممنوعة"، والتأديب بإذاقة الذين قاموا بعملية 7 أيار 2008، مرارة عملية مماثلة "7 أيار مسيحي". في المقابل لم يتغير رد فعل الطرف الذي سقط له قتلى في الطيونة عما كان في خلدة في 1 آب الماضي حيث فقد أربعة من أنصاره أو "بيئته"، والذي يُختصر بالتصميم على عدم الإنجرار "إلى فتنة أو حرب أهلية وبالتحلي بالصبر" فالنصر صبر ساعة.
مهما يكن فإن هذا كله يضع الإنسان العادي في هذه البلاد، الكاره لكل أنواع الحروب وخاصة للحرب الأهلية، في إشكاليات صعبة، أقتضب تلميحاً إليها فأتساءل بداية عن مفهوم "الحرب الأهلية" وعما إذا كان يشمل "الكمين المسلح" ضد تظاهرة إحتجاجية، بصرف النظر عن الموقف من مسوغاتها، أو ضد جمـْع في مراسم دفن. بكلام آخر هل يصنف "إغتيال جماعة من الناس" في إطار الخلاف بين الأهل ؟ لا سيما عندما تكون محفزات الأطراف "الأهلية" في الحرب "الأهلية" غير "أهلية" كما هو الحال على الأرجح في بلادنا العزيزة !
ينبني عليه أنه يحق للمراقب أن يفترض، حتى إثبات العكس أن المعتدي لا يسعى لإشعال حرب أهلية، وأن المعتدى عليه يمتنع عن الدفاع عن نفسه ليس تفادياً للانجرار إلى "حرب أهلية". فبالإمكان في هذا السياق أن نعتبر الإعتداء على المقاومين في آب الماضي أيضاً (بعد اعتداء بلدة خلدة) في شويا في منطقة حاصبيا، يتعدى حدود "الحرب الأهلية" إلى مسألة الدفاع عن البلاد وتحرير الأرض .
وفي مختلف الأحوال فإن السؤال الذي لا نعرف الإجابة عليه هو عما إذا كان المعتدون في الطيونة وخلدة وشويّا، وقبل ذلك في 7 أيار 2008، يسعون للوصول إلى الهدف نفسه ؟ وفي المقابل نحن نجهل أيضاً الأسباب التي ترغم المقاومة على التضحية "بسلمنا المجتمعي والأهلي" وبخبز يومنا وبالوقت الذي نقضيه في طوابير الذل و… وبدماء أبنائنا وإخوتنا، لتأخير ساعة المواجهة والحسم، التي لا مفر منها.