ما إن ردت محكمة التمييز المدنية برئاسة القاضي ناجي عيد، الدعوى المقدمة من النائبين علي حسن خليل وغازي زعيتر، التي طلبا فيها رد القاضي طارق البيطار حتى انقلب المشهد على الارض رأسا على عقب، واشتعلت خطوط التماس على محاور الطيونة عين الرمانة فرن الشباك، واستحضرت ذكرى الحرب الاهلية بعدما زنر رصاص الاسلحة وقذائف الـ"ار بي جي" بيروت، واشتعلت الجبهات وسقط 6 قتلى واكثر من 26 جريحاً وتضررت ممتلكات المواطنين ونزح السكان من منازلهم خوفاً، وأُجلي الأطفال والطلاب من مدارسهم، قبل ان ينتهي اليوم الطويل الى اعلان الاقفال العام اليوم حداداً على أرواح الشهداء، واعلان الجيش اللبناني عن توقيف 9 أشخاص من بينهم سوري في أحداث الطيونة، بعد تبادل الاتهامات بين "امل ـ حزب الله" من جهة و"القوات اللبنانية" من جهة اخرى.
فبدعوة من الثنائي الشيعي للمطالبة بتنحية المحقق العدلي القاضي طارق البيطار، توافد مناصرو "أمل" و"حزب الله" الى امام قصر العدل في بيروت وتوجهوا الى منطقة الطيونة، تحضيراً لوقفتهم الاحتجاجية الرمزية أمام قصر العدل.
تزامناً، شهدت طريق الطيونة المؤدية الى قصر العدل اطلاق نار كثيف على أثر دخول المتظاهرين إلى عين الرمانة والقيام بأعمال تخريب ما استدعى تدخل الجيش، وانتشرت ملالاته، كما سجّل انتشار أمني كثيف له داخل حرم قصر العدل. وهرعت سيارات الاسعاف الى الطيونة لنقل الجرحى في المحلة.
وساد توتر بالغ الشارع العريض في عين الرمانة، وسط اطلاق رشقات نارية متقطعة وقذائف B7 وتحطم العديد من زجاج نوافذ المنازل في المنطقة، نتيجة اطلاق الرصاص قبل ان تصل تعزيزات للجيش من جهة بدارو باتجاه الطيونة ويعود الهدوء الحذر الى خط تماس الشياح - عين الرمانة، في ظل انتشار كثيف للجيش. وتفقد السكان منازلهم ومحالهم التجارية وسياراتهم، وناشدوا الهيئة العليا للاغاثة الكشف عن الأضرار التي حصلت وتعويضهم.
الجيش يروي التفاصيل
وأوضح الجيش اللبناني في بيان مسائي انه "بتاريخ 14/10/2021 وأثناء توجه عدد من المحتجين إلى منطقة العدلية للاعتصام، حصل إشكال وتبادل لإطلاق النار في منطقة الطيونة - بدارو، مما أدى إلى مقتل عدد من المواطنين وإصابة آخرين بجروح. وعلى الفور، عزز الجيش انتشاره في المنطقة، وسير دوريات راجلة ومؤللة، كما دهم عدداً من الأماكن بحثاً عن مطلقي النار، وأوقف تسعة أشخاص من كلا الطرفين من بينهم سوري.
بوشرت التحقيقات مع الموقوفين بإشراف القضاء المختص. وأجرت قيادة الجيش اتصالات مع المعنيين من الجانبين لاحتواء الوضع ومنع الانزلاق نحو الفتنة، وتجدد القيادة تأكيدها عدم التهاون مع أي مسلح، فيما تستمر وحدات الجيش بالانتشار في المنطقة لمنع تجدد الاشتباكات".
تحقيقات
وكانت مديرية المخابرات في الجيش اللبناني، بتكليف وإشراف مباشر من مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي، باشرت بإجراء تحقيقات ميدانية بشأن اشتباكات الطيونة، وتحديد هوية المسلحين الذين شاركوا بإطلاق النار وتسببوا بسقوط الضحايا والجرحى من المدنيين وتوقيفهم.
الثنائي الشيعي
وفي بيان مشترك صادر عن "أمل" و"حزب الله" حول الاعتداء على التظاهرة في منطقة الطيونة انه "في تمام الساعة 10:45، وعلى أثر توجه المشاركين في التجمع السلمي أمام قصر العدل استنكاراً لتسييس التحقيق في قضية المرفأ، وعند وصولهم إلى منطقة الطيونة تعرضوا لإطلاق نار مباشر من قبل قناصين متواجدين على أسطح البنايات المقابلة، وتبعه إطلاق نار مكثف أدى إلى وقوع شهداء وإصابات خطيرة حيث أن إطلاق النار كان موجهاً على الرؤوس. إن هذا الاعتداء من قبل مجموعات مسلحة ومنظمة يهدف إلى جر البلد لفتنة مقصودة، يتحمل مسؤوليتها المحرضون والجهات التي تتلطى خلف دماء ضحايا وشهداء المرفأ من أجل تحقيق مكاسب سياسية مغرضة". ودعا البيان الجيش الى "تحمل المسؤولية والتدخل السريع لإيقاف هؤلاء المجرمين"، كما دعا "جميع الأنصار والمحازبين إلى الهدوء وعدم الانجرار إلى الفتنة الخبيثة".
البيان الاول للثنائي استتبع ببيان آخر لاحقاً اتهما فيه "القوات اللبنانية" بالإعتداء المسلح على المشاركين.
جعجع والسلاح المتفلّت
واستنكر رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع "الأحداث التي شهدتها منطقة بيروت وبالأخص محيط منطقة الطيونة بمناسبة التظاهرات التي دعا إليها "حزب الله". واعتبر في بيان ان "السبب الرئيسي لهذه الأحداث هو السلاح المتفلِّت والمنتشر والذي يهدِّد المواطنين في كل زمان ومكان". ودعا "رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ووزيري الدفاع والداخلية إلى إجراء تحقيقات كاملة ودقيقة لتحديد المسؤوليات عما جرى في العاصمة"، مؤكداً أن "السلم الأهلي هو الثروة الوحيدة المتبقية لنا في لبنان، ما يحتِّم علينا المحافظة عليه برمش العيون، ولكن ذلك يتطلب منا جميعاً التعاون للوصول إليه".
ونفت الدائرة الإعلامية في "القوات" الخبر الصادر عن قيادتي "حزب الله" و "حركة أمل" لجهة اتّهامهما "القوات اللبنانية" بالقتل المتعمّد، وطالبت في بيان الأجهزة المختصة بـ"تحديد المسؤوليات بشكل واضح وصريح"، واكدت ان ما حصل "من أحداث مؤسفة على الأرض، وهي موضع استنكار شديد من قبلنا، ما هي سوى نتيجة عملية للشحن الذي بدأه السيد حسن نصرالله منذ أربعة أشهر بالتحريض في خطاباته كلّها على المحقّق العدلي، والدعوة الصريحة والعلنية لكفّ يده، واستكملها بإرسال مسؤوله الأمني وفيق صفا إلى قصر العدل مهدِّداً ومتوعِّداً القاضي بـ"القبع"، وصولاً إلى تخيير مجلس الوزراء بين التعطيل أو إقالة القاضي البيطار، وعندما وجد الحزب أنّ هناك عدم تجاوب مع تهديداته دعا إلى التظاهرة التي حصلت اليوم".ولفتت الى ان "وسائل الإعلام كلّها إضافة إلى الفيديوات المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي تؤكد بالملموس الظهور المسلّح بالأربيجيات والرشاشات والدخول إلى الأحياء الآمنة". ورفضت اتهامها "جملة وتفصيلاً، وهو اتّهام باطل والغاية منه حرف الأنظار عن اجتياح "حزب الله" لهذه المنطقة وسائر المناطق في أوقات سابقة". وقالت ان "ما حصل اليوم يعرفه القاصي والداني وهو مواجهة العدالة بالمنطق الانقلابي نفسه، واستخدام السلاح، والترهيب، والعنف، والقوة لإسقاط مسار العدالة في انفجار مرفأ بيروت".
وفي بيان ثان لها، أكدت الدائرة الإعلامية في "القوات" انه "تعدّدت الاجتهادات في ما خصّ أحداث الطيونة بينما الحقيقة واحدة وظاهرة للعيان ولا لبس فيها، ووقائعها مصورة ومثبتة وواضحة". وطلبت بالمناسبة من الجيش اللبناني "الذي كان شاهداً منذ اللحظة الأولى على مجريات هذا اليوم الطويل أن يصدر بياناً مفصلاً يوضح فيه ملابسات ما جرى كلّه، منذ اللّحظة الأولى، كي لا يبقى بعضهم، وبالأخص "حزب االله"، يستغلّ هذه الأحداث الأليمة ليطلق اتهاماته شمالاً ويميناً، من أجل الخروج من المأزق الذي وضع نفسه وبيئته الحاضنة والبلاد فيه".
"التيار الوطني الحر"
وأسف "التيار الوطني الحر"، "للجريمة النكراء التي حصلت" وإذ أكد أنه "مع حرية الرأي وأحقية التعبير عنه بكل الطرق السلمية"، أشار الى انه "من غير الجائز أن يسمح أحد لنفسه بأن يمنع التعبير عن هذا الحق بأي طريقة من الطرق وخصوصاً بطريقة غير سلمية. تماماً كما انه من غير الجائز أن يسمح طالبو التعبير الحر لأنفسهم بفرضه بالقوة على الآخرين".
واعتبر ان ما حصل "هو اعتداء مسلّح ومرفوض على أناس ارادوا التعبير عن رأيهم، ولو كنا لا نوافقهم على هذا الرأي. لذلك يقع على الجهات المعنية القضائية والأمنية واجب كشف هوية المجرمين الذين أزهقوا دماء، وتقديمهم الى المحاكمة بطريقة سريعة وشفافة وعادلة، لأنهم كانوا يعدّون لفتنة تمّ وأدها بإرادة من ضبطوا أنفسهم وبفعل من بادروا الى المعالجات السياسية والأمنية اللازمة، وخصوصاً فخامة رئيس الجمهورية والجيش اللبناني". وقال: "إن تشكيك أي جهة بعمل المحقق العدلي وصولاً الى الرغبة بكفّه عن العمل، وهو أمر مشروع قضائياً، يكون حصراً بالوسائل والقنوات القضائية، لا من طريق الإخلال بمبدأ فصل السلطات، حيث القضاء سلطة مستقلة. ولا يكون كذلك بالتهديد والوعيد في الاعلام والشارع، بل بإظهار مكامن الخلل أمام اللبنانيين واقناعهم بصوابية القائمين على هذا الرأي".