هل يستنقذ الرئيسان ميشال عون ونجيب ميقاتي الحكومة وما بقي من دولة وعهد؟
السؤال طرح بقوة، أمس، بعد المجزرة الدموية التي ارتكبتها القوات اللبنانية بحق متظاهرين كانوا يحتجون على إدارة ملف التحقيقات في تفجير المرفأ، خصوصاً أن التعامل مع الجريمة المروعة لم يشِ بمستوى حقيقي من المسؤولية، إزاء صمت كل المدافعين عن حرية التعبير في لبنان وخارجه، وامتناع غالبيتهم عن إدانة المجرم القاتل وتحميل القتيل المسؤولية بسبب رغبته في التعبير عن رأيه سلمياً.
بحسب المتابعات السياسية، فإن البحث تجاوز الحديث عن جريمة المرفأ إلى معالجة الموقف المتفجر بعد جريمة الطيونة. وبعد بيان حزب الله وحركة أمل الذي اتهما فيه القوات اللبنانية مباشرة بالوقوف خلف الجريمة، أبلغ الثنائي عون وميقاتي وبقية القوى السياسية بأنه بات أكثر تمسّكاً بموقفه من ملف التحقيق في المرفأ ومنع استمرار عملية التسييس، وأضاف بنداً آخر يطالب بتحقيق واسع وشامل في جريمة الطيونة يستهدف ليس المجرمين فقط، بل من قرر وخطط ونفّذ، ومعاقبة المهملين من مسؤولين عسكريين وأمنيين لم يبادروا إلى منع الجريمة قبل حصولها بساعات طويلة على رغم توافر معلومات عما كانت تحضر له القوات في المنطقة.
وبحسب المعلومات، فإن الثنائي الشيعي، ومعه تيار المردة والنائب طلال أرسلان، ليسوا في وارد التساهل في هذه المسألة، ما قد يؤدي إلى عدم انعقاد أي جلسة للحكومة ما لم يكن الاجتماع محصوراً ببحث هذين البندين.
الرئيس ميقاتي الذي كشف مقربون منه أنه تلقى اتصالات خارجية تحثه على عدم التجاوب مع أي خطوة تضرّ بعمل القاضي طارق البيطار، أعرب عن خشيته من تدهور الأمور. وهو يبدو كمن يفكر بخطوة استباقية على شكل استقالة مبررة بأنه لا يريد التدخل في عمل القضاء ولا يريد تحمّل مسؤولية المواجهات التي تحولت إلى أعمال عسكرية سالت فيها دماء. لكن جوهر خطوة ميقاتي يعني هروبه من تحمّل المسؤولية في لحظة حاسمة.
رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط دان «استخدام القناصات ضد المتظاهرين»، محذراً من «الاحتكام إلى أحلام قديمة دمّرت لبنان». ودعا المحقق العدلي إلى التحقيق «بكل هدوء ومع الجميع من دون استثناء»، لافتاً إلى أن «الغرب يريد تحميل لبنان وحده مسؤولية المحكمة في انفجار بيروت، فلتتفضل الدول الغربية الصديقة نظرياً بتقديم معلومات حول كيف أتت النيترات إلى لبنان».
التيار الوطني الحر الذي كان موقفه من التحقيقات في جريمة المرفأ محل نقاش على خلفية أنه يواجه تعبئة شعبية ضده في الشارع المسيحي، أصدر بياناً عبّر فيه عن رفضه لطلبات الثنائي الشيعي بما خص البيطار، لكنه ندد باستخدام السلاح ضد المتظاهرين في الطيونة. فيما دعا الرئيس عون إلى عدم الانجرار إلى الفتنة.
وعلمت «الأخبار» من أوساط في القصر الجمهوري أن عون أجرى اتصالاً بجعجع أمس معبراً عن انزعاجه مما يجري، وبادره بالقول: «أوقف ألاعيبك»، فرد جعجع بأنه غير مسؤول عما حدث وأن أفراداً غير منظمين من المدنيين ولو ارتدوا لباساً عسكرياً ليسوا بالضرورة من القوات. عندها أعاد عون الطلب من جعجع وقف ألاعيبه وأنهى المكالمة. الأمر الذي دفع رئيس حزب القوات إلى إصدار بيان استنكر فيه ما حصل واتهام القوات، وطالب الجهات المختصة بتحديد المسؤوليات، على رغم أن النائبين عماد واكيم وفادي سعد كانا واضحين في تبنيهما الأعمال المسلحة. فيما عمل عدد من مسؤولي القوات على تصوير ما حصل بأنه رد على اعتداء تعرض له السكان في مناطق عين الرمانة، ولمحوا إلى أن المسلحين «غرباء»، وأشارت الوزيرة السابقة مي شدياق إلى اعتقال أحد السوريين.
ماذا حصل على الأرض؟
ما حصل كان أقرب إلى بروفة لحرب أهلية وانفلات أمني. روايات عدة جرى الحديث عنها في اجتماع مجلس الأمن المركزي في وزارة الداخلية، بحضور قادة الأجهزة الأمنية الذين أجمعوا على أنّ عناصر من القوات اللبنانية بدأوا بإطلاق النار. وفيما ذكر أحد الضباط معلومات عن انتشار قنّاصين على أسطح بعض المباني أطلقوا النار على المتظاهرين أثناء مرورهم من دوّار الطيونة، روى مرجع أمني لـ«الأخبار» أنّ مسلحين من القوات انتشروا في الشوارع الداخلية لعين الرمانة تأهباً منذ ساعات الصباح الأولى. وأثناء مرور المتظاهرين على طريق صيدا القديمة حصلت استفزازات، فيما عمد تجمّع لعناصر من القوات في زاروب مدرسة الفرير إلى افتعال خلاف مع المتظاهرين ليبدأ رمي الحجارة، قبل أن يقوم مسلّحون من القوات بإطلاق النار على المتظاهرين. وأكد المرجع أنّ عناصر القوات كانوا حاضرين بأسلحتهم ومستعدين للمواجهة، ما يُفسّر العدد الكبير من الضحايا في صفوف المتظاهرين في بداية الخلاف، قبل أن يستقدم موالون لحزب الله وحركة أمل السلاح ليتطور الأمر إلى اشتباكات مسلحة.
وأكدت مصادر عسكرية لـ«الأخبار» أنّ الجيش دهم عدداً من المباني التي يُشتبه في أنّ إطلاق النار حصل منها، لكن لم يتم توقيف أحد.البيان الثاني لقيادة الجيش تراجع عن وصف ما حدث بالكمين بتدخل مباشر من مكتب القائد
وكان لافتاً تناقض مواقف الجهات الرسمية. فقد أصدرت قيادة الجيش، صباحاً، بياناً قبل زيارة نائبة وزير الخارجية الأميركية للشؤون السياسية فيكتوريا نولاند، قالت فيه إنّ «المحتجين أثناء توجههم إلى منطقة العدلية تعرضوا لرشقات نارية في منطقة الطيونة -بدارو». وبعد تصريح لوزير الداخلية بسام مولوي أشار فيه إلى تعرض متظاهرين سلميين لإطلاق نار من مسلحين، أصدرت قيادة الجيش بياناً ثانياً، بتدخل مباشر من مكتب قائد الجيش، ساوت فيه بين القاتل والضحية، وجاء فيه أنّه أثناء توجه المحتجين إلى منطقة العدلية للاعتصام، «حصل إشكال وتبادل لإطلاق النار ما أدى إلى مقتل عدد من المواطنين وإصابة آخرين بجروح». وبدا أن هزّ العصا الأميركية نجح في دفع الجيش إلى تحويل المتظاهرين من ضحايا أُطلقت عليهم النار إلى مُثيري شغب سقطوا أثناء تبادل لإطلاق النار.
كذلك برز لافتاً حجم التفلّت الأمني مع أنّ عناصر الجيش واستخباراته وبقية الأجهزة الأمنية كانوا على دراية بأنّ التوتر بلغ أشدّه. حتى أنهم أغلقوا مداخل عين الرمانة في الليلة السابقة للاعتصام وعمدوا إلى نشر العناصر الأمنية على طول طريق صيدا القديمة. وكانت لدى هذه الأجهزة معلومات عن وجود مجموعات تتحضر لافتعال إشكالات مع المتظاهرين. كما أنّ هناك من كتب تهديدات في وسائل التواصل الاجتماعي طالباً من متابعيه الترقب للدرس الذي سيُلقّنه للمتظاهرين.
هذا التطور الأمني اللافت، تزامن مع تصعيد قضائي مستغرب. فقد سارع رئيس محكمة التمييز القاضي ناجي عيد إلى إصدار قراره بعدم صلاحيته النظر في طلب الرد المقدم من النواب المدعى عليهم. وكان عيد في صدد إصدار القرار أول من أمس إلا أنّ تغيّب عضو من الهيئة عن العدلية اضطرّه إلى إرجائها. ويوم أمس، لم يكتمل نصاب الهيئة أيضاً لتنحي القاضية نفسها، ما دفع عيد إلى تعيين مستشار آخر فوراً ليُصدر قراره، بعدما كان قد سرّب فحواه قبل يومين. ولم يُفهم سبب استعجال عيد لإصدار القرار في وقت كان الشحن في الشارع في أعلى درجاته. علماً أنّ همساً يدور في العدلية عن سابقة في تعيين الهيئات ارتكبها رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود. فقد عمد إلى تعيين جميع أعضاء الهيئة في محكمة الاستئناف التي أصدرت قراراً بعدم الصلاحية من طائفة واحدة، بينما درج العرف أن تتألف الهيئة من قضاة ينتمون إلى طوائف مختلفة.