دوللي بشعلاني - الديار
أظهرت أحداث الطيونة التي شهدها لبنان أمس، على خلفية الوقفة الإحتجاجية التي دعا إليها حزب الله و»حركة أمل» و»تيّار المردة»، أمام قصر العدل تنديداً بقرارات القاضي طارق بيطار، على ما جاء في الدعوة لهذه التظاهرة، بأنّ الوضع الأمني في لبنان غير ممسوك، وأنّ التفلّت الأمني ممكن أن يحصل مع انطلاق الشرارة الأولى. والأخطر أنّ السلاح منتشر وبكثافة في أيدي مجموعات إمّا مناصرة لأحزاب مختلفة الإنتماءات أو تُشكّل طابوراً خامساً جاهزاً للإستفادة من أي ثغرة. فيما تبقى المحافظة على الإستقرار الأمني في البلاد، أولوية بالنسبة لدول الخارج التي رحّبت بتشكيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي بعد أكثر من سنة على بقاء لبنان في ظلّ حكومة تصريف الأعمال، ودعتها الى إنجاز الإصلاحات المطلوبة سريعاً للحصول على دعم ومساعدات الدول المانحة والمجموعة الدولية.
أوساط ديبلوماسية مراقبة تحدّثت عن أنّ ما جرى لا يُبشّر بالخير بالنسبة لمستقبل هذا البلد الذي كاد يعود للوقوف «على رجليه» مع تشكيل حكومة ميقاتي التي وعدت المجتمع الدولي بتنفيذ خطة التعافي الإقتصادي وبالتفاوض مع صندوق النقد الدولي للقيام بالمشاريع الإنقاذية. وقالت بأنّ دول الخارج التي تُراقب ما يجري في لبنان، حذّرت مرّات عدّة من الإنزلاق الأمني ومن إمكانية أن تؤدّي الإشتباكات أو المواجهات العنيفة في الشارع الى زعزعة الأمن في البلاد، غير أنّ المؤسسة العسكرية أظهرت، على ما أضافت الاوساط، قدرتها على الإمساك بزمام الأمور رغم كلّ محاولات إشعال نار الفتنة من قبل المجموعات المسلّحة التي تظهر في الشارع وقتما تشاء، وذلك من خلال إعادة الهدوء الى الطيّونة والمناطق المجاورة. فهذا ما تقدّره دول الخارج ، لا سيما وأنّها تعوّل بشكل مستمر على الجيش اللبناني ولهذا تقدّم له باستمرار المساعدات العسكرية للدفاع عن شعبه وأرضه، ولجم أي عنف داخلي وردع أي إعتداء خارجي يُمكن أن يُعرّض السلم الأهلي للخطر.
وذكرت الأوساط نفسها بأنّ الضمانات الخارجية التي أعطيت لميقاتي لتشكيل حكومة، تبيّن أنّها غير ثابتة بما فيه الكفاية، لان خلافا سياسيا واحدا داخل الحكومة كاد يُسقطها، وهي لا تزال معرّضة للسقوط في حال لم يتمّ التوافق بين وزرائها على أنّ السلم الأهلي هو خط أحمر، وأنّ الخلافات السياسية يمكن أن تُحلّ على طاولة مجلس الوزراء الذي يضمّ غالبية الأحزاب السياسية والكتل النيابية، وليس في الشارع.
وقالت الاوساط بأنّه لم يعد ينقص المواطن اللبناني الذي يئنّ من المشاكل ويُواجه الصعوبات على مختلف الأصعدة، سوى توتير الوضع الأمني وتهديد حياته بالخطر، سيما وأنّ الإشتباكات التي استخدم فيها إطلاق النار والقنص من على سطوح البنايات وقذائف الهاون، التي حصلت قرب مستديرة الطيونة وامتدّت الى مناطق عين الرُمَّانة وفرن الشباك والتحويطة أدّت الى وقوع 6 ضحايا وأكثر من 25 جريحاً، حتى الساعة، كان همُّهم كيفية تأمين العيش الكريم في هذا البلد، كما حجزت موظفّين في أعمالهم وطلاباً في مدارسهم في المناطق المذكورة، حتى أنّ إحدى السيّدات، وهي أم لأربعة أطفال قُتلت وهي في منزلها جرّاء إطلاق النار.
وتقول الأوساط عينها، بأنّ دول الخارج تخشى من أنّ يكون السبب الفعلي لمحاولات توتير الوضع الأمني في البلاد هو الوصول الى المطالبة بإلغاء الانتخابات النيابية المقبلة في لبنان ودول الانتشار وعدم إجرائها لا في مواعيدها الدستورية ولا في أي وقت لاحق. وهذا الامر يُحتّم أيضاً وقوع البلاد في الشلل أو الجمود السياسي مجدّداً سيما وأنّ ولاية المجلس النيابي الحالي تنتهي في 21 أيار من العام المقبل. وأكّدت الاوساط أنّ هذا الأمر، أي إلغاء الانتخابات أو تأجيلها، مرفوض تماماً كونها تُعوّل على تغيير الطبقة السياسة الحاكمة منذ ثلاثين سنة عبر صناديق الاقتراع وعن طريق الأصوات الحرّة التي ستصبّ فيها لصالح المرشحين المستقلّين أو مرشحي انتفاضة 17 تشرين الأول 2019. وذكرت بأنّ انتهاء ولاية المجلس وعدم انتخاب مجلس جديد يضع الاستحقاق الرئاسي على المحكّ أيضاً، إذ لا يُمكن لمجلس منتهية ولايته انتخاب رئيس البلاد. كما لا يُمكن لمجلس فَقَد ثقة الشعب الذي انتخبه أن يُمدّد أو يُجدّد لنفسه بحجّة تمرير الإستحقاق الرئاسي.
وعن الحكومة التي بدأت تتعرّض للسقطات حتى قبل انطلاقتها الفعلية، فتجد الأوساط نفسها أنّ هذا الامر لا يُمكن أن يستمرّ خصوصاً إذا ما كانت نيّتها الفعلية وضع البلاد على السكّة الصحيحة للإنقاذ الإقتصادي، وإجراء الانتخابات النيابية والبلدية والإختيارية في مواعيدها، والعودة الى طاولة المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية مع الجانب الإسرائيلي وبدء الاستفادة من عائدات ثروة لبنان النفطية والسمكيّة في البحر لتحسين وضعه الاقتصادي المتردّي.
ونبهّت دول الخارج من أن يكون الهدف الأساسي من نشوب الإشتباكات وإشعال جبهة الطيّونة هو طمس حقيقة انفجار مرفأ بيروت الذي دمّر فضلاً عن المرفأ، المناطق المحيطة به من الجميزة ومار مخايل والصيفي، الى المدوَّر والكرنتينا والأشرفية، وأدّى الى مقتل 218 ضحية وشهيد والى جرح أكثر من 6000 شخص منهم 1000 أصبحوا من المعاقين، والى تشريد آلاف العائلات البيروتية من منازلها، الى جانب تدمير آلاف المباني والمؤسسات والمستشفيات والكنائس والأديرة وسواها.
من هنا، فإنّ التدقيق الجنائي، والتحقيق في انفجار المرفأ لا يُمكن التنازل عنهما، على ما شدّدت الأوساط، لا سيما إذا كان المطلوب إعادة بناء الدولة على أسس متينة، ولهذا دعت الى استكمال التحقيقات، سيما وأنّ عائلات الشهداء والضحايا من مختلف الطوائف والمناطق والأديان والانتماءات تريد معرفة حقيقة ما جرى في 4 آب من العام الماضي، ولماذا فقدت أحبّاءها في غمضة عين، ومن كان وراء هذه الكارثة التي حلّت بها وبالوطن، ولن تقبل عن هذه الحقيقة أي بديل، وعن معاقبة المرتكبين والمسؤولين عن الإنفجار أي تسوية.