محمد وهبة
يومياً، تسحب شركات استيراد المشتقات النفطية نحو 8 ملايين دولار نقداً من السوق، أي بمعدل شهري يتجاوز 230 مليون دولار، لتمويل استيراد المازوت. انعكس هذا الأمر ارتفاعاً في سعر صرف الدولار في السوق الموازية من أدنى مستوى بلغه قبل نحو شهر بقيمة 13750 ليرة، إلى 20850 ليرة أمس، أي بمعدل زيادة أسبوعية يبلغ 1775 ليرة
كما كان متوقعاً، خلق توقف مصرف لبنان عن تمويل استيراد المازوت من احتياطاته بالعملات الأجنبية، طلباً إضافياً على الدولار أدّى إلى ارتفاع ثابت في سعر صرفه بقيمة 7100 ليرة بين 16 أيلول الماضي و13 تشرين الأول (أمس)، أي بمعدل زيادة أسبوعي يبلغ 1775 ليرة. مصدر هذه الزيادة الثابتة والمتواصلة هم مستوردو المشتقات النفطية الذين يسحبون شهرياً من السوق الموازية أكثر من 230 مليون دولار لتمويل استيراد كميات المازوت التي يحتاج إليها السوق.
قبل 30 أيلول 2021، لم يكن مستوردو المشتقات النفطية بحاجة إلى الدولارات لتمويل الاستيراد. في الفترة التي سبقت، كان مصرف لبنان يقوم بهذه العملية التي سمّيت «دعم» من العملات الأجنبية التي يملكها في احتياطاته. غير أن مصرف لبنان، وتحت وطأة تدنّي الاحتياطات إلى سقف ما يسمى الاحتياط الإلزامي، قرّر وقف تمويل استيراد المحروقات بدولاراته. عملياً، القرار اتخذ في اجتماع لمجلس الدفاع الأعلى الذي انعقد في القصر الجمهوري منتصف آب الماضي، إلا أنه لم ينفّذ إلا بعد بضعة أسابيع تخلّلها انقطاع في مادتَي المازوت والبنزين من السوق ورفع أسعارها الداخلية من 1520 ليرة لكل دولار إلى 8000 ليرة، ثم 12000 ليرة، وصولاً إلى 18000 ليرة اليوم. تنفيذ قرار وقف التمويل ورفع أسعار المحروقات الداخلية، بدأ في 30 آب، مع إصدار وزارة الطاقة تسعيرة للمازوت لزوم الصناعيين مسعّرة بالدولار بدلاً من الليرة، وتضمّن القرار في مادته الثانية العبارة الآتية: «يمكن الاستفادة من شراء مادة المازوت غير المدعوم لكل من يرغب في استعمالها». يومها عمدت منشآت النفط إلى بيع المازوت للعموم بالدولار حصراً.
تدريجاً، بدأت السوق «تدولر» مبيعات المازوت. المستوردون صاروا يطلبون من الموزّعين تسديد سعر الصفيحة بالدولار، والموزّعون صاروا يطلبون من المحطات ومن المستهلكين النهائيين، سواء مولدات أو صناعيين أو غيرهم، تسديد سعر صفيحة المازوت بالدولار، حتى إن بعض أصحاب المولدات لا يقبلون حالياً تسديد فواتير المولد الشهرية إلا بالدولار النقدي حصراً.
ما حصل هو أنه في منتصف الطريق بين جلسة مجلس الدفاع التي اتخذ فيها قرار وقف تمويل استيراد المشتقات النفطية بدولارات مصرف لبنان، وبين بدء وزارة الطاقة تسعير المازوت بالدولار، تشكّلت الحكومة. وعلى وقع هذا التشكيل، انطلقت سلسلة مفاعيل إيجابية، ولا سيما في الأيام الأولى على التشكيل، انعكست انخفاضاً في سعر الدولار من سقف كان يبلغ 19 ألف ليرة إلى حدّ أدنى بلغه في منتصف أيلول الماضي بقيمة 13750 ليرة. إنما مع اتضاح المشهد وتلاشي المفاعيل السياسية المؤقتة التي خلقها تشكيل الحكومة، بدأت تنتظم عمليات استيراد وبيع المازوت في السوق المحلية، وبدأ معها يظهر تدرج ثابت في ارتفاع سعر الدولار. في 30 أيلول، سجّل سعر الدولار 17700 ليرة، وفي 7 تشرين الأول ارتفع إلى 19000 ليرة، وفي 13 تشرين الأول سجّل 20850 ليرة. خلال شهر واحد، وبمعدل أسبوعي يبلغ 1775 ليرة، ارتفع سعر الدولار نحو 7100 ليرة. لم يسجّل هذا الارتفاع في يوم واحد، إنما بتدرج وثبات على مدى أربعة أسابيع. وهذا يكشف وجود علاقة واضحة بين ارتفاع سعر الدولار ولجوء المستوردين إلى السوق الموازية للحصول على الدولارات اللازمة لتمويل استيراد المازوت.
يقول أحد المستوردين إن قيمة المستوردات الشهرية من المازوت تقدّر بنحو 230 مليون دولار. هذا المبلغ الذي يسحبه المستوردون، وسيواظبون على سحبه شهرياً من السوق. يمثّل نحو 17% من مجمل المستوردات، أي أكثر من 20% من الطلب التجاري على الدولارات في السوق. وجود هذا الطلب الإضافي أمر كافٍ لتبرير ارتفاع سعر الدولار. إنما في الفترة المقبلة، قد تزداد وتيرة السحب لأن الطلب على مادة المازوت يصبح في ذروته مع بدء التحضيرات لحلول فصل الشتاء. وهذا يعني أن وتيرة سحب الدولارات من السوق ستزداد أيضاً، إلا إذا تمكّن المازوت الإيراني من تغطية ما يكفي من الطلب الإضافي لمنع تدهور إضافي في سعر الليرة. لكن بشكل عام، فإن المبلغ الذي يسحبه التجّار حالياً من السوق لتمويل استيراد المازوت، مرشح للانتفاخ أكثر فاكثر على مدى الأسابيع المقبلة. وبالتالي فإن سعر الدولار مرشّح لمزيد من الارتفاع، ولا سيما أن وتيرة الطلب ما زالت على حالها السابق، إذ إن التعويل على أن رفع الأسعار الداخلية للمحروقات سيضرب القوّة الشرائية للمستهلكين ويجبرهم على خفض استهلاك المازوت، كان غير واقعي لأن السوق ما زال يستهلك بالأسعار الحالية كميات كبيرة. هذه الكميات لا يمكن السوق أن يستغني عنها حتى مع ارتفاع الأسعار. المستهلكون ضُربوا في قوّتهم الشرائية، لكنهم لن يستغنوا بهذه السهولة عن 10 ساعات تغذية بالتيار المنتج في مولدات الأحياء، ولن يستغنوا عن الإنتاج الصناعي لبيعه محلياً أو للتصدير، ولن تتوقف المستشفيات عن العمل بسبب ارتفاع أسعار المازوت، ولا الأفران عن إنتاج الخبز... لذا، فإن العلاقة بين استيراد المازوت وسعر الدولار ستبقى قائمة وبنسبة عالية. المشكلة ستكون في أن يتم وقف تمويل البنزين بدولارات مصرف لبنان. عندها سيصبح الطلب على الدولارات في السوق الموازية، مضاعفاً وسينعكس كارثة في تدهور قيمة الليرة.