شكّل المدير العام للأمن العام، اللواء عبّاس إبراهيم، طيلة سنوات تولّيه المديرية حتّى اليوم حصن الدفاع المنيع لحماية لبنان أمام العواصف والحرائق العاتية التي أحاطت لبنان منذ أن بدأت أحداث الأزمة السورية ترخي بظلالها على لبنان المنقسم على نفسه دائماً وأبداً.
قدّم اللواء إبراهيم نموذجاً متقدّماً للعمل الأمني، عابراً بين ألغام التركيبة اللبنانية المقعّدة في تشعّباتها الطائفية والمذهبية والسياسية، ومتخطّياً الحسابات الضيقة للأفرقاء في الداخل ومشكّلاً شبكة ربط بين قوى الخارج.
المواكبون لعمل اللواء إبراهيم طيلة سنوات تولّيه سدّة المسؤولية في الأمن العام، يصفونه بأنّه استحقّ لقب "رجل العام" عن كلّ عام قضاه على رأس المديرية، فلا يمرّ عام إلا ويكون للواء إبراهيم إنجاز يحفره في سجّله سواء في حلّ أزمة لبنانية عالقة أكانت داخل حدود الوطن أو خارجه.
وعلى الرغم من أنّ اللواء إبراهيم وضمن "التركيبة اللبنانية" محسوب على ما يعرف بـ"الثنائي الشيعي" (حزب الله وحركة أمل)، وأنّه من ضمن "الحصة الشيعية" في الدولة، إلا أنّه عبر فوق كل هذه التصنيفات الفئوية في النظام الطائفي اللبناني ليكون عابراً للطوائف والطائفية، ولا سيما في السنوات الحرجة التي مرّت بها البلاد بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
تمكّن اللواء إبراهيم من استثمار حنكته السياسية في تجييرها إلى ما يمكن اعتباره "ديبلوماسية أمنية"، ساهمت بالحدّ الأدنى بتفادي العديد من الأزمات وبحدّها الأقصى بإيجاد حلول ترضي مختلف الأطراف ليكون عن استحقاق "وسيط الجمهورية".
هو رجل دولة في زمن انهارت فيه على أيدي رجالات ادّعوا زوراً وبهتاناً أنّهم رجال دولة، ليطلق عليه أصدقاؤه بأنّه "أحد آخر رجالات الدولة في هذا الطاقم السياسي اللبناني".
تغيّرت وجوه الديبلوماسية اللبنانية على مدار السنوات، لكنّ اللواء إبراهيم بقي "رأس الديبلوماسية اللبنانية" غير المعيّن بعدما واجه ملفات عصيبة منها المعلن ومنها ما لم يعلن.
لقد بات جلياَ أنّ الدور السياسي العام للواء إبراهيم، له وجه اداري داخلي من خلال الأمن العام وخدماته وحضوره، ووجه سياسي إقليمي ودولي، تطلّب طرق أبواب العواصم لحل عقد كبيرة.
إنّ حجم المسؤوليات التي وقعت ولا تزال على عاتق اللواء، جعلت منه محطّ أنظار المحبّين، وكذلك غير المحبّين، حيث تطفو في كل فترة على السطح أخبار وإشاعات من هنا وهناك بأهداف معروفة ومشبوهة.
وقد تجلّى ذلك في العديد من محاولات "دقّ الإسفين" بينه وبين "الثنائي" في لحظات حساسة ومصيرية تمرّ بها البلاد، كان آخرها تغريدة النائب السابق وليد جنبلاط على ضوء مقابلة اللواء إبراهيم الأخيرة مع إذاعة "لبنان الحر"، في محاولة لفتح ثغرة بينه - أي اللواء - وبين رئيس مجلس النواب نبيه برّي.
كذلك، في البيت الشيعي المعارض، فقد علّق المهندس رياض الاسعد في صفحته على "فيسبوك" بعد مقابلة اللواء الأخيرة، متلقفاً رغبته السياسية، فدعاه الى التعاون لتشكيل لائحة انتخابية، وهو ما يؤشر الى مكانة الرجل ليس في أوساط المعارضات الطائفية فحسب، انما ايضاً داخل البيت الشيعي المعارض، الذي يحاول ان يصحح بعض الاداء السياسي الذي انتجته الصيغة الثنائية.
لا يبدو أنّ اللواء إبراهيم يشكل مشروعاً انشقاقياً عن "الثنائي"، لكنه وعلى رغم تشكل صورته كحاجة لبنانية وشيعية، لها امتداداتها الداخلية والإقليمية وحتى الدولية، لا سيما بعد جولة لقاءاته في باريس وواشنطن ولندن، فإن احتمالات الترشح الى الندوة النيابية قد تكون مفتوحة أمامه ضمن لوائح من خارج الثنائي، لا لشيء سوى أنّ استمراره في الشأن العام حاجة وطنية بامتياز.