هي أسابيع من «الحرب الباردة» بين وزيرة الخارجية بالتكليف (السابقة) زينة عكر والأمين العام لوزارة الخارجية والمغتربين، السفير هاني شميطلي حول الصلاحيات، انفجرت أمس بإعطاء عكر الأوامر لعناصر حمايتها من الجيش اللبناني بخلع أبواب الجناح المُخصّص للأمانة العامة في «الخارجية»، قبل لجوء أفراد الحماية إلى الاعتداء الجسدي على شميطلّي ومدير وحدة الرموز علي قازان، والموظفة سمر حيدر.
هو أحد مشاهد تحلّل «الدولة» على الصُعد كافة، وفصلٌ جديد من الاعتداءات على كرامة السلك الدبلوماسي، الذين هم في الدرجة الأولى ممثّل الدولة اللبنانية أمام العالم، وحامي مصالحها، والناطق السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي باسمها. إهانة الدبلوماسيين ليست أقل من إهانة للدولة، وكسرٌ لصورتها أمام دول العالم.
أما أخطر ما جرى أمس، فهو تكريس التعامل مع الدبلوماسيين بوصفهم «مُجرمين» واستنفار عناصر عسكرية وأمنية لـ«تطويعهم». الضابط الذي اعتدى على شميطلي اعتذر عمّا بدر منه، بناءً على طلب عكر. لكن ما جرى ذكّر بـ«الغزوة» التي نفّذها جهاز أمن الدولة، بطلب من الوزير السابق جبران باسيل سنة 2019 على الوزارة واحتجاز سفراء في مكاتبهم والتحقيق معهم، في ما خصّ «تسريب» برقيات دبلوماسية. كما لو أنّ هناك من يتعمّد كسر السلك الدبلوماسي والعمل على شدّه نحو الأسفل. يشكو الوزراء، ومسؤولون سياسيون، من «تردّي المستوى» داخل الوزارة، وحالة «البطالة المُقنّعة» الموجودة في البعثات، والهدر في المصاريف، إلا أنّ أحداً منهم لم يسعَ خلال ولايته إلى تطوير السلك أو فصله عن التجاذبات السياسية والطائفية، بل على العكس ثبّتوا أنه ملعبٌ آخر من ملاعب المحاصصة بعيداً عن المصلحة الوطنية.
الرواية التي صدرت من جهة عكر أنّها وصلت أمس إلى الوزارة تُريد الاطلاع على البريد، فرفض الأمين العام تسليمها إيّاه. وحين أرادت توديع موظفين، توجّه إليها بالقول إنّه «لا يحقّ لها التواصل مع موظفين بغيابه». ويُنقل عنها أيضاً أنّ شميطلي أقفل باب مديرية الرموز، لمنعها من الحصول على البريد، عندئذٍ طلبت من عناصر حمايتها من الجيش خلع الباب، ليكون شميطلي حاضراً مع الكاميرا، ما اعتبرته عكر «استدراجاً للخلاف». أما من جهة الأمين العام، فتأكيد أنّ القصة لا علاقة لها أبداً بالبريد، ولو أنّه يستند إلى النصّ الدستوري بأنّه منذ صدور مراسم تشكيل الحكومة الجديدة يوم الجمعة الماضي، لم يعد لعكر أي سلطة داخل الوزارة. الخلاف المباشر هو بسبب حضور حدادين ونجارين يُريدون ــــ بأمر من عكر ــــ تركيب باب يفصل مديرية الرموز عن مكتب الأمين العام، علماً بأنّ «الرموز» تابعة للأمانة العامة، ولكنّ عكر عيّنت الدبلوماسي الياس نقولا مسؤولاً من قبلها عن «الرموز» (بوجود علي قازان) طالبةً منه تقديم التقارير مباشرةً إليها، وكانت منذ تكليفها متابعة شؤون «الخارجية» قد حصرت التواقيع بها، طالبةً اطلاعها على كل البريد قبل تسجيله، وهو ما كانت تعتبره عكر «ضبطاً لأمور الوزارة».
محاولة تركيب الباب أمس سبقتها محاولة قبل أسابيع لتركيبه، وقد رفضها شميطلي. وهو حين منع العمال أمس من تنفيذ المهمة التي طلبتها الوزيرة السابقة، أقفل باب جناح الأمانة العامة، عندها حضرت عكر لمحاولة فتحه، فلم يردّ عليها شميطلي، فطلبت من عناصر الجيش خلع الباب.
ما جرى انتهى بمواجهة مباشرة بين عكر وشميطلي أثناء محاولتها فتح باب مديرية الرموز، قال لها خلالها الأمين العام (كما يُظهر الفيديو المُتداول) إنّه ينتظر تقرير الطبيب الشرعي، والسبب نيّته الادعاء عليها ورفع شكوى جزائية. وقد نفّذ الموظفون داخل الوزارة وقفة احتجاجية على ما جرى، وتضامنية مع زملائهم.