رضوان مرتضى
على مدى أكثر من خمس ساعات، استجوب المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار قائد الجيش السابق العماد جان قهوجي. حضر قهوجي، الذي كان موجوداً خارج البلاد للمثول أمام المحقق العدلي للدفاع عن نفسه ضد الشبهات المساقة ضده، ولا سيما أنّ اسمه ارتبط بالوثيقة الشهيرة الصادرة عام 2016، التي دُمِغ فيها إلى جانب اسمه توقيع رئيس الأركان اللواء وليد سلمان الذي اقترح حينذاك ــــ في ردّ على المديرية العامة للجمارك ــــ عرضَ النيترات (التي انفجرت يوم 4 آب 2020) للبيع على مجيد الشمّاس (صاحب شركة متفجرات) أو إعادة تصديرها، على قاعدة أن «الجيش ليس بحاجة إلى 2700 طن من نيترات الأمونيوم». تلك كانت المرة الأولى التي يقوم فيها الجيش بهكذا إجراء، إذ لم يسبق أن سُجِّلت توصية مماثلة في تاريخ المؤسسة العسكرية.مقالات مرتبطة.
جلسة أمس ترافقت مع تسريبات تُفيد بأنّ قهوجي لم يكن سيحضر الاستجواب، على أن يبقى خارج البلاد حتى لو سُطِّر بلاغ بحث وتحرٍّ بحقه، أو لاحقاً مذكرة توقيف غيابية. غير أن كل تلك الشائعات لم تلبث أن تلاشت حيث حضر قهوجي في الموعد المحدد بتمام العاشرة صباحاً. وفي اتصال مع «الأخبار» أنّ هناك عدداً من الشخصيات نصحوه بعدم الحضور خشية توقيفه، لكنّه أصرّ على حضور الجلسة للدفاع عن نفسه لكونه «لا يقبل بأن يكون خارجاً على القانون الذي تعرّض بسبب تطبيقه لعدة محاولات اغتيال في السابق». ورداً على ما يتردد عن تلقيه ضمانات بعدم توقيفه في حال حضوره، أكد أن ذلك كذبٌ محض. قهوجي قال لـ«الأخبار» إنه فسّر للمحقق العدلي البنود الثلاثة الملتبسة بشأن دوره في قضية النيترات. وأفصح قهوجي للمرة الأولى عن «لغز» اقتراح قيادة الجيش بيع نيترات الأمونيوم لمجيد الشمّاس الذي يملك شركة متفجرات، كاشفاً أنّ الشماس كان قد تقدم بطلب عبر وزارة الداخلية إلى وزارة الدفاع، التي أحالته على قيادة الجيش لإبداء الرأي، بشأن الموافقة على شرائه 200 طن من نيترات الأمونيوم شهرياً على مدى خمس سنوات. وذكر قهوجي أنّ طلب عرض النيترات على الشمّاس لشراء الكمية «المحروسة قضائياً» في مرفأ بيروت كان بسبب طلبه هذا، مشيراً إلى أنّ مديرية العتاد في ذلك الحين ردّت بأن لا مكان لاستيعاب هذه الكمية من النيترات لدى الجيش على اعتبار أنّ مخازن الذخيرة كانت ممتلئة في حينه. كذلك نفى قهوجي وجود قدرة للجيش على إتلاف 2700 طن من النيترات، مستدلاً على ذلك باستعانة الجيش بشركة ألمانية لإتلاف البراميل التي عُثر عليها في المرفأ بعد الانفجار.
وقال قهوجي إنّه أبلغ المحقق العدلي قصة توقيع رئيس الأركان اللواء وليد سلمان (على الكتاب المرسل من الجيش إلى الجمارك)، نيابة عنه، وهو دليل على «تفويض الصلاحية» من القائد إلى رئيس الأركان في هذا الشأن. ولم ينف قهوجي معرفته بأمر النيترات، ليسرد أمام المحقق العدلي أنّ مدير المخابرات آنذاك العميد كميل ضاهر أعدّ تقريراً تفصيلياً عن النيترات. وذكر قهوجي أنه طلب من مديرية التجهيز يومها الكشف على المواد حيث كُلّفت مديرية العتاد التي أرسلت خبراء كتبوا تقريرهم بأن لا مقدرة لديهم على معرفة نسبة الآزوت في النيترات الموجودة ولا إمكانية لديهم لقياسها. وروى قهوجي أنّه بعد ذلك كُلفت الخبيرة الكيميائية ميراي مكرزل التي حددت نسبة الآزوت بـ 34,7. وأكّد قهوجي أنّ مديرية المخابرات تابعت ملف النيترات. وذكر أن العميد ضاهر في إفادته قال للمحقق العدلي إنه لم يُفاتح قائد الجيش شفهياً بالموضوع أبداً.
كذلك نفى قهوجي كل ما نُشر عن طلب القاضي البيطار مواجهته مع مدير المخابرات الأسبق ضاهر بسبب تناقض الإفادات، مشيراً إلى أنّ إحدى المحاميات ادّعت وجود تناقض بين إفادته وإفادة ضاهر، فردّ القاضي البيطار بأنّ ذلك غير صحيح وأنَ الإفادتين أمامه.
أما عن سبب إرجاء الجلسة إلى الثامن والعشرين من الشهر الجاري، فقد كشف قهوجي أن المحقق العدلي ينتظر مستنداً عبارة عن برقية مرسلة من مديرية المخابرات إلى قيادة الجيش للتثبت إذا كان قد وقّعها أو لا. وقد أبلغ قهوجي القاضي البيطار بأنّ قيادة الجيش الحالية بإمكانها تزويده بهذا المستند.
ويُرتقب أن يمثل أمام المحقق العدلي هذا الأسبوع كل من العميد المتقاعد في الجيش كميل ضاهر والعميد المتقاعد جودت عويدات في الخامس عشر والسابع عشر من أيلول الجاري.