هديل حسن
في عزّ أزمة المحروقات وانقطاع التيار الكهربائي «الرسمي» واستغلال بعض أصحاب المولّدات لحاجة الناس إلى الكهرباء وفرض فواتير أشبه بـ«الخوات»، بدأ كثيرون التفتيش عن حلولٍ تقيهم العتمة وتخفّف المصاريف. اتجه هؤلاء صوب الشمس، في محاولة لتأمين التيار بأقلّ الأكلاف والاستفادة منه لأطول فترة ممكنة. ولكن، كما العادة مع كل مشروع جديد، عندما يكبر الطلب على منتج تتلقّفه السوق السوداء، ويكبر عدد «الدخلاء» على المهنة الذين يستغلون «موضة» النظام الشمسي لتحصيل الأموال فقط
«لا دولة ولا اشتراك». هكذا هي الحال اليوم في بيوت اللبنانيين مع انقطاع التيار الكهربائي «الرسمي»، والتقنين القاسي في «التيار الآخر» الذي تؤمّنه اشتراكات المولّدات بسبب احتكار المحروقات وبيعها بأسعار خيالية في السوق السوداء. أمام هذا الواقع المعتم، لجأ كثيرون إلى حلولٍ تتيح لهم تأمين الضوء بعيداً عن الوسائل التقليدية المعتادة. هكذا، كانت الوجهة... نحو الشمس.
اللجوء إلى الطاقة الشمسية بات اليوم الخيار الأمثل للتخلّص من العتمة، وبما يُعفي من الحاجة إلى مصادر الطاقة الأخرى، ويساعد في خلق نوعٍ من الاكتفاء الذاتي في المنازل. فكل ما يحتاج إليه هذا النظام هو حضور الشمس فقط. محمد من بين من يعملون اليوم على استغلال هذه «الثروة» المجانية، إذ يعدّ لتركيب نظام للطاقة الشمسية في منزله في بنت جبيل. استقرّ على هذا الرأي بعدما واجه مشاكل كثيرة في عمله بسبب انقطاع الإنترنت وصعوبة شحن الهواتف والحواسيب لإتمام العمل. لكنّ الدافع الأهم كان مرض أحد أفراد عائلته بالسكري، خصوصاً أن «إبرة الإنسولين تحتاج إلى التبريد الدائم، ونخاف أن يتلف الدواء، وسعره غالٍ جدّاً أساساً»، ناهيك عن «الطعام الذي يفسد يومياً ونضطر لرميه».
بحسب المهندس الكهربائي أحمد مراد، ثمّة إقبال غير مسبوق على تركيب أنظمة الطاقة الشمسية في المنطقة، مشيراً إلى أن 90% من الطلبات هي للمنازل، إلى جانب نسبة قليلة تعود إلى المؤسسات والبلديات. الطلب الكبير والسريع على «عدّة» النظام أدّى إلى انقطاعها من السوق، فـ«كمية البطاريات التي كنا نستخدمها خلال عام، مثلاً، نفدت خلال خمسة عشر يوماً». حتى أصبحت البطاريات، وهي العنصر الأساسي في تشغيل النظام، تُباع في السوق السوداء وزاد سعرها نحو 60%. علماً أن كلفة النظام مرتفعة أساساً، فـ«تركيب نظام سعة 2 أمبير يكلف 1300 دولار، أي أكثر بـ 70% من قيمته سابقاً». ولكن من الناحية الإيجابية، «لا تحتاج أدواته إلى صيانة دورية، خصوصاً لدى شراء النوعيات الجيّدة». ولفت إلى أن الأنظمة الأكثر استخداماً للمنازل في المنطقة هي أنظمة الـ5 أمبير (2600 دولار) والـ 10 أمبير (4600 دولار) و15 أمبير (5800 دولار).
ولئن كانت هذه الطاقة بديلاً سريعاً وفعّالاً، إلّا أنّ الناس لم يلجأوا إليها إلّا مجبرين ولم يفكروا بها مسبقاً رغم أنها استثمار ناجح. وفي هذا السياق، يقول مراد إن إحدى المشاكل اليوم التي تحول دون رواج هذه البدائل هي «غياب الوعي الكافي في ما يخصّ الطاقات المتجدّدة، ومنها الشمسية»، خصوصاً أن ميزة هذه الأخيرة «لا يمكن مقارنتها بوسائل الطاقة الأخرى، إذ أنها مورد طبيعي متاح للجميع ولا يستطيع أحد فرض تقنين عليها أو قطعها، بالإضافة إلى كونها صديقة للبيئة وذات جدوى اقتصادية مرتفعة على المدى البعيد»، ولا سيما أن «طبيعة الجو في لبنان مناسبة جداً وهو أرض خصبة لاعتماد نظام الطاقة الشمسية في إنتاج الكهرباء. فالشمس تغذي الأراضي 300 يوم في السنة بشكل كامل، وتغطّي ما تبقّى من الأيام بشكل جزئي غير منقطع، أضف أن متوسط الحرارة هو 28 درجة تقريباً وهي مناسبة جداً لسلامة الألواح وربحيّتها».
«تخزين الشمس»
للاستفادة القصوى من الشمس، يجب أخذ عدة نقاط في الاعتبار عند دراسة المشروع، منها «الزاوية واتجاهات تركيب الألواح بهدف تفعيلها والاستفادة من ربحيّتها إلى أقصى حدّ، وزيادة كمية تخزين الطاقة لتعويض الإشعاع الشمسي في الليل والأيام الغائمة» بحسب المهندس محمد مراد.
تتلقّى الألواح الإشعاع الشمسي، فتنتج تيارات مستمرة ترسلها إلى المحوّلات التي بدورها تحوّلها إلى تيار متردّد شبيه بالتيار الكهربائي العادي. في هذه الأثناء، تقوم البطاريات بتخزين الطاقة المنتجة نهاراً للتغذية ليلاً، وفي حال كان الاستهلاك أقلّ من نسبة إنتاج الألواح يمكن للمنزل أن يعتمد بشكل كليّ على الشمس وأشعّتها مباشرة.