عمر حبنجر
"الطبخة" الحكومية تقترب من النضوج على نار انفجار خزان الوقود في عكار الذي أوقع أكثر من 28 ضحية و100 مصاب فجر أمس. ومن نكد حظوظ اللبنانيين ان حلول خلافاتهم لا تأتي على البارد، بل بمواكبة المآسي والنكبات.
فبعد التأزم الذي أعقب إعلان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وقف الدعم للمحروقات لتباع بحسب تعرفة السوق السوداء للدولار الأميركي، وما رافق إعلانه من تشنجات سياسية وإنكار حكومي وإضرابات على الأرض، قام الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة نجيب ميقاتي، بزيارة الى القصر الجمهوري، بعيدا عن عيون الإعلام، تشاور خلالها مع الرئيس ميشال عون بمستجدات التأليف، حيث ظهرت معطيات توحي بالتفاؤل الحذر.
وبحسب هذه المعطيات ان التفاهم تم على ان تبقى وزارة الداخلية للسنة، ولرئيس الجمهورية تزكية الاسم، ووزارة العدل لمسيحي من خط رئيس الجمهورية ميشال عون، ويكون للرئيس المكلف حق الفيتو عليه.
جديد آخر تمثل بتولية وزارة الصحة لوزير سني، والأشغال العامة والنقل لشيعي غير معارض لحزب الله، وكرس هذا الاجتماع توزيع حقيبتي الخارجية والمالية، إلا ان عقبات أخرى ظهرت في هذا السياق، ومنها إصرار الرئيس عون وفريقه على ان تكون الحقيبة الوزارية الأوزن، من الحقيبتين المخصصتين لطائفة الموحدين الدروز، إلى وزير من فريق النائب طلال أرسلان، على ان تعطى الوزارة الأقل أهمية لوزير من خط وليد جنبلاط.
هنا تشير المعلومات إلى ان الرئيس المكلف لم يجد من المنطق في شيء، ان تعطى وزارة التربية، مثلا لوزير من خط طلال أرسلان، الذي هو نائب وحيد، لتعطى وزارة المهجرين، المرشحة للإلغاء إلى وزير من خط جنبلاط الذي يرأس كتلة من 7 نواب؟
وتشمل عملية التبادل المطروحة، إعطاء وزارة الصحة لوزير من خط تيار المستقبل، وهي التي يتولاها وزير محسوب على حزب الله، على أن يعطي الوزير الشيعي المقبول من حزب الله وزارة الأشغال العامة والنقل، الوصية على المرافئ والمطار.
ويبدو أن رئيس مجلس النواب نبيه بري ليس مرتاحا للوضع، بدلالة المقدمة النارية لقناة "أن بي أن" الناطقة بلسانه، وفيها: "أنه في عهد الفساد القوي لم يبق حجر على حجر في الجمهورية، عهد كالجراد لم يوفر لا الأخضر ولا اليابس من مقدرات الدولة ودستورها وقوانينها ومالها في سبيل خدمة أجندات عائلية".
ونقلت قناة بري عن أوساط سياسية إشارة إلى ان "من خرب البلاد وجوع العباد ودفع بها إلى الانهيار، هو تحالف رئيس الجمهورية ميشال عون مع صهره جبران باسيل، وهما بالتكافل والتضامن قاما بتغطية كل عمليات الفساد".
من جهته، النائب علي درويش، لاحظ أن الأجواء الإيجابية في تشكيل الحكومة صحيحة، وتستند الى تعاون بين الرئيسين.
وكشف درويش، أن المباحثات انتقلت من مرحلة توزيع الحقائب الى الأسماء.
بدوره، البطريرك الماروني بشارة الراعي قال في عظة الأحد: يخطئ من يعتقد ان وجود حكومة كعدمه، ودعا الى تشكيل الحكومة فورا لمواجهة المسؤوليات المطلوبة.
بدوره، رئيس حزب القوات اللبنانية د.سمير جعجع اعتبر في تصريح له أن "استمرار مكوث رئيس الجمهورية والأكثرية النيابية في مراكزهم بعد كل الذي حصل، يعد إمعانا في قتل الشعب اللبناني، وقال: "أقل ما ينتظره المواطن اللبناني بعد كل الذي حصل، هو ذهاب المسؤولين عن هذه المآسي أقله إلى البيت، وترك المجال أمام الناس لكي تعيد إنتاج السلطة".
المصادر المتابعة تأمل ألا تؤثر تداعيات انفجار عكار على سرعة قطار تأليف الحكومة المرتقب وصوله الى محطة الصيرورة الثلاثاء المقبل، وفق المهلة المحكي عنها منذ صدور مرسوم التكليف، والتي تنتهي في 20 الجاري، خصوصا ان معطيات استجدت بعد قرار حاكم البنك المركزي رياض سلامة، بوقف الدعم عن السلع المطلوبة من "المهربين"، وهي ان بعبدا والحلفاء، مطالبون بوجوب إطاحة قرار الحاكم، بأي شكل من الأشكال ونقطة على السطر!
وسارع رؤساء الحكومات السابقون فؤاد السنيورة، سعد الحريري وتمام سلام إضافة الى الرئيس المكلف تشكيل الحكومة نجيب ميقاتي، إلى دعوة رئيس الجمهورية وكل الأطراف السياسية الفاعلة فورا إلى فك العقد التي لا تزال تحول دون تأليف الحكومة العتيدة.
وأعربوا في اجتماعهم أمس، عبر تقنية "زووم"، عن حزنهم وألمهم وتعزيتهم للبنانيين ولعائلات الضحايا والمصابين. وأشاروا في بيان الى ان صبر اللبنانيين نفد وهم لن يستطيعوا بعد تحمل هذا الانهيار الكبير الحاصل للدولة اللبنانية في دورها وفي سلطتها.
من جهته، حمل الرئيس الحريري، على الرئيس عون بشدة، منددا بكلمته في اجتماع المجلس الأعلى للدفاع، مستغربا جرأته في القفز فوق أوجاع الناس ليتحدث عن أنشطة جماعات متطرفة، وليلتقي مع صهره النائب جبران باسيل الذي دعا إلى إعلان عكار منطقة عسكرية، باعتبار انها باتت خارج الدولة، وقال الحريري: "لا يا فخامة الرئيس. عكار ليست قندهار، بل عكار مظلومة منك ومن عهدك، والنار اشتعلت بقلبها قبل أن تشتعل بخزانات التهريب".
وقال الحريري إن حادث عكار لا يختلف عن كارثة ميناء بيروت، واعتبر "أن ما حدث في الجريمتين يستوجب استقالة مسؤوليها، بدءا برئيس الجمهورية إلى آخر مسؤول عن هذا الإهمال، وذلك لو كانت هناك دولة تحترم الإنسان".