اكثر من 100 يوم مرّ منذ انطلاق الثورة، إلاّ انّ المشهد العام اختلف منذ نهار 17 تشرين حتّى يومنا هذا. فالطريقة والممارسات تغيّرت، المطالب تبدّلت، والحشد تراجع، أو خمد... ما دفع البعض الى السؤال: أين "الثوار"؟ أين "الثورة"؟
الثابت الوحيد في كلّ هذا أن عنصر الشباب هو الصامد الاكبر، العنصر الذي يسعى للتغيير الحقيقي، في بلد فقد الكثيرون الامل فيه. الثابت الوحيد أن هؤلاء مستمرون.
شباب غاضبون، مستاؤون آملون بمستقبل شريف في وطنهم، لا في بلاد الاغتراب، آمنوا بالثورة، وشاركوا فيها ودعموها بكل ما يملكون. شباب نزلوا إلى الشارع، اقفلوا الطرقات وطالبوا بأبسط حقوقهم، بالحدّ الادنى الذي يتمتع به من عاش "خارج لبنان". ولكن بعد كل المراحل، كيف يرى هؤلاء الشباب الثورة اليوم؟ وكيف يرون المواجهات التي تحصل مع القوى الامنية، وكيف يصفون الحكومة الجديدة؟
هنا، انقسمت الاجوبة، بين 5 ناشطين فاعلين في الثورة، من مختلف المناطق، بدءاً من عروس الثورة طرابلس، إلى العاصمة بيروت. إلاّ انّهم توّحدوا على "لبنان"، معلنين انّ الثورة لا تزال في بدايتها وانّ النصر آت لا محالة، ومؤمنين بنتيجة ستغيّر الواقع الحالي.
ولكن خطوات كثيرة اثارت جدلا وانقساما بين اللبنانيين سواء معارضين للثورة أو مؤيدين بها، فكيف يراها اليوم الشبان المشاركون؟
قطع الطرقات، خطوة ظهرت من الايام الاولى، واثارت اشكالات كثيرة. من هنا، بدأت الآراء تتفاوت، إذ اكّدت الناشطة ايبولا فضل لله، من ثوار طرابلس، والناشط فؤاد عقل من ثوار بيروت انّهما كانا من مؤيدي قطع الطرقات في الايام الاولى للثورة، واعتبرا انّها في الوقت الحالي لا تفيد ولا تساعد. وبعكس ذلك تعتبر الناشطة غرايس مورا انّ لبنان يمرّ بوقت عصيب وانّ قطع الطرقات وسيلة لتسريع تحقيق النتائج. وقالت غرايس: "السلطة اقفلت طرقات حياتنا لـ30 سنة، وس تشتي الدني بتسكر الطرقات، عند اي حادث بتسكر الطرقات، نحنا عم نسكر كرمال قضية". بدوره كان للناشط خضر انور من ثوار بيروت رأي في الموضوع، اعتبر فيه انّ قطع الطرقات وسيلة ضغط مشروعة ولها اوقاتها، مؤيداً اياها عندما تتطلب الحاجة.
"سلمية سلمية"، شعار رافق الثورة بكل مراحلها، ولكن وصل إلى حائط مسدود. السلطة غائبة وما من مجيب على مطالب الناس، واوجاعهم، فبدأ العنف الثوري بحسب ما اطلق عليه بعض الثوار. ايبولا وفؤاد رفضا الفكرة كلياً، واعتبرت "ثائرة طرابلس"، انّ العنف لا يوصل المطالب إلى السلطة بل يضعها جانبا: "عم نبيّن نحنا الزعران وهيدا الشي مش مظبوط، نحنا ما بدنا إلا مصلحة البلد". ولفتت إلى انّ مشكلة الشعب والثوار مع السلطة الحاكمة لا مع القوى الامنية ولا الجيش، معلنةً رفضها الكامل للتعرّض للعسكريين. ودعت إلى الابتعاد عن الشغب واظهار مطالب الثورة المحقّة بطريقة واعية. كما اكّد "ثائر بيروت"، مشيراُ إلى انّه وبالرغم من التعارف على هذه الوسلية في ثورات عدة إلاّ انّ التعدد الطئفي والحزبي وارتهان جزء كبير من الشعب إلى الاحزاب، قد يؤدي إلى صدامات حزبية وطائفية تنهي الثورة وتغرق البلاد في فوضى لا تحمد عقباها.
من جهة اخرى، تحدّث ناشط آخر من طرابلس وهو سامي حداد، مشددّاً على ضرورة الوعي مع العنف. هذا الثنائي يجعل من العنف عنفاُ ثورياً ويبعدها عن الخراب والعنف العشوائي، بحسب سامي. واوضح: "المنطق يقود إلى الخراب والفلسفة تقود إلى النصر". وعن التحرّكات الاحتجاجية امام مجلس النواب وسط بيروت، قال: "يجب ان نتوقف ونسأل: هل ستسقط السلطة لمجرد دخولنا المجلس"؟ إلاّ انّ سامي اكّد تبنيه سياسة "العنف" في حال كان واعياً بعيداً عن العشوائية. اجابة سامي حول المجلس النيابي، اتت مناقضة لرأي غرايس، التي لم تتردد لتؤكّد دعمها المطلق: "نحنا حقنا نفوت على ساحة النجمة، الساحة النا، هيدا مش عنف بل حقنا الشرعي بالتظاهر". واشارت غرايس إلى انّ السلطة، عبر القوى الامنية، كانت تمارس العنف مع الثوار امّا بالضرب او بالكلمات النابية، والعنف لا يولد سوى العنف. وتابعت: "بس كانت الثورة سلمية انتقدونا، وبس علينا الـسقف انتقدونا، نحنا ما بدنا دم بس السلطة من مين خايفة؟ من الشعب؟ مجلس النواب صار ثكنة عسكرية!".
بالمقابل، اشار خضر إلى انّ العنف لم يبدأ حتى الساعة، بل ما يحصل اليوم هو تعبير عن الغضب ليس الاً، مؤكداً انّ عند وقوع الانهيار ونزول الفئات الشعبية الاكثر تضرراً على الساحات والطرقات، عندها سيظهر العنف والخراب، مع احتمال انّ يحصل انفجار اجتماعي لن يكون وقتها من مصلحة احد. وقال: "السلطة عم تشّن من عشرات السنين حربها الطبقية المنظّمة والواضحة بوّج ٩٩٪ من الشعب. هيدي هي الحرب الوحيدة والعنف الوحيد ولكن السؤال الجدلي هو هل يطبق العنف الثوري بلبنان مع مخاطر التحوّل الى حرب أهلية؟" من هنا، اعتبر خضر انّ السلطة السياسية قد تستخدم كل الوسائل لتحافظ على هيمنتها، معلناً استعداد الثوار الحقيقيين على استخدام كل الوسائل لردعها.
ماذا تنتظر من السلطة؟
المطالب المحقّة والتي غالباً ما نسمعها اخذت حصتها، فمن الحكومة الانتقالية، إلى الانتخابات المبكرة، بالاضافة إلى استعادة الاموال المنهوبة والعيش بكرامة، إلاّ انّ للشباب صرخة اضافية للسلطة.. نريد: مثواها الاخير وانهيارها. يقول الشبان: "على السلطة ان تعي اننا لسنا بموقع التفاوض: قلنا ما لدينا وعلى من يريد الحفاظ على ماء وجهه ان يتصرّف لخير الشعب. "اصلاً مش معترفين بالسلطة"" .
عدد من اللبنانيين يعتبر انّ الثورة اخفقت، ومنهم من اعتبرها نجحت. بنظر سامي، الطوائف توّحدت ونزعت عنها غطاء الخوف من البوح بكلمة الحق، امّا خضر فتحدث عن التضامن بوسائل الضغط بين مختلف المناطق، معتبراً انّها زعزعت بنية النظام الذي كان مرتكزا على التقسيم المناطقي وعزل بيروت عن الاطراف. امّا بالنسبة لغرايس، فنقيب المحامين ملحم خلف كان من اجمل النتائج التي حققتها الثورة، معتبرةً انّ امثاله كثر ينتظرون تسليط الضوء عليهم.
اخيراً وليس آخراً، اجمع الثوار الشباب على رفضهم للحكومة الجديدة ورفضهم لاعطائها فرصة، باستثناء فؤاد الذي اعتبر انّها تضمّ وجوهاً جديدة وناجحة، ويؤيد اعطائها فرصة 3 اشهر فقط لكي تقرن الأقوال بالأفعال.
30 سنة والسلطة "فاعلة"، امّا الشعب فمفعول به، ويوم 17 تشرين كانت بداية الردّ. الشباب اكّدوا انّ الثورة لا تزال في المرحلة الاولى وان "الحشد جايي جايي". ولكن! اختلافات كثيرة في الآراء، من التحركات الاولى وحتى ممارسات اليوم. فإذا استمرّ قطع الطرقات والوسائل العنفية في الثورة، فهل من صدامات مقبلة؟ وهل نحن امام انفجار اجتماعي؟ وهل ستتحوّل الثورة إلى حرب اهلية؟
مخاوف كثيرة يعاني منها اللبنانيون وسط امل وحيد في "لبنان"، وهو المحاربة حتى النهاية. وفي حين اختلفت وجهات النظر وتناقضت في بعض الاحيان، إلاّ انّها توّحدت بوجه سلطة فاسدة ويبقى الاختلاف "صحة"، ودليل على صدق الاوجاع والرغبة في التغيير، وصرخة لكّل من يحاول ان يركب موجة الحق: "الثوار الحقيقيون لا يزالون موجودين في الساحات".