الشاعر هنري زغيب
كما كلَّ أَحد، أَتوقَّع من القراء أَو المستمعين أَو الأَصدقاء ردودًا تتناول الـ"نقطة على الحرف"، إِيجابيًّا أَو سلبيًّا أَو حياديًا.
غير أَنّي فوجئتُ بعشرات الردود على حلقة الأَحد الماضي، أَيَّدَت بقوَّةٍ وحزمٍ وعزمٍ ما جاء فيها عن رفْض اللبنانيين دعوةَ أَيٍّ من السياسيين الحاليين إِلى الندوات والمحاضرات والمؤْتمرات والحلقات والأَنشطة الثقافية والفكرية والتراثية والأَدبية.
وأَيدوا كذلك رفْض مسؤُولي الأَنشطة الإبداعية وضْعَها تحت رعاية أَيٍّ من هذا الطقم السياسي الذي ثبُت إِفلاسه الوطني، عدا أُمِّيَّة معظم السياسيين الْكانوا يحضرون تلك الأَنشطة الثقافية أَو تكون تحت رعايتهم.
أَمام هذا الرفْض، أَتجاوز إِلى أَبعدَ من ردود الأَصدقاء والقراء والمستمعين، لأُلاحظ مدى ما في نواياهم من غضبٍ على هؤُلاء السياسيين الفاسدين، وحقْدٍ على هؤُلاء السياسيين الفاسدين، وكُرهٍ جميعَ هؤُلاء السياسيين الفاسدين، ولعنةٍ على هؤُلاء السياسيين الفاسدين، واحتقارٍ هؤُلاءِ السياسيين الفاسدين، ورفْض لقاءِ أَو رؤْيةِ هؤُلاء السياسيين الفاسدين، وكلُّ هذا في موجة غضبٍ وحقدٍ وكُرهٍ لا سابقةَ لها في لبنان الذي، حتى قبيل 17 تشرين، كان فيه بعدُ لبنانيون قابلون أَو حيادون حيال السياسيين في لبنان.
أَما وأَنهم أَوصلوا لبنان إِلى هذا الانهيار المالي والاقتصادي والصحي، أَما وأَنهم أَوصلوا شعب لبنان إِلى أَن يكون شحَّادًا على أَرصفة الدول، مستعطيًا حبةَ دواءٍ أَو تنكةَ بنزين، أَما وأَنهم أَوصلوا لبنان إِلى هذا اليأْس المرّ، إِلى الهجرة الجماعية المخيفة، إِلى أَتون الفقْر والذُل والبكاء والرعب من أَيِّ يومٍ جديدٍ مقبلٍ سيأْتي وكيف سيأْتي وعلى أَيِّ كارثة أُخرى سيأْتي، أَما وأَنهم أَوصلوا لبنان إِلى أَن يكون دولةً فاشلةً رجالُ سْلطتها غيرُ جديرين بالحكْم ولا بالإِدارة ولا بتمثيل الشعب، أَما وأَنهم أَوصلوا لبنان إِلى بَهْدَلةٍ بشِعة بين دول العالم، أَما وأَنهم ما زالوا يتملَّصون ويتحاصصون ويتلصلصون - بكل فَجْعَنة سافرة ووقاحة عاهرة - على حقيبة أَو وزارة أَو پوانتاج انتخابي، فأَقلُّ ردَّةِ الفعل أَن يقابلَهم شعبُنا بهذه الموجة الشرسة من البُغْض والحقْد والكُره واللعنة.
وسْط هذه الموجة الغاضبة سأَلني صديق في باريس: "وماذا لو حضر نشاطًا ثقافيًّا سياسيٌّ بصفته الشخصية لا الرسمية ولا السياسية"، فأَجبْتُه: أَشُكُّ أَن يجرؤَ بَعدُ سياسيٌّ أَن يَحضر حلقة أَو ندوة أَو محاضرة أَو مؤْتمرًا، وأَن يحتمل موجةَ الحقد عليه وعلى أَشباهه وأَمثاله تتدحرجُ عليه من عيون الحاضرين الذين إِن رحموه بصمْتهم المهذَّب لن يرحموه بنِظراتهم الغاضبة ونيَّاتهم اللاعنة. ولنا نموذجٌ يوميٌّ في إِحجام معظم السياسيين عن ارتياد المطاعم أَو النوادي أَو الأَماكن العامة، خوف أَن تنهالَ عليهم كرابيج المواطنين نُطقًا أَو ازدراءً أَو قرفًا، لذا يَبقون منْزَوين في جحورهم وأَوكارهم وأَوجارهم في اتِّقاء وقائي لن يخلِّصَهم منهُ الآتي من الأَيام، مهما ذَرُّوا في عيون الناس قريبًا وعودَهم الكذَّابة مع اقتراب موسم الانتخابات. الشعب لم يعُدْ يصدِّقهم، ولن يَرَوا حولهم إِلَّا بضْعة كَذَبَة من المحاسيب الدجَّالين، والأَزلام المصفِّقين المستفيدين الاستغلاليين التافهين.
وهل للكلمة وكتَّابها دَورٌ في كل هذا؟
بل لها وحدَها الصدارة. وهنا دورُ الكاتب أَن يَشْحن شعبه بشرارات الوعي، وعلى الشعب بعدها أَن يُشْعِلَ حقَّه السليب.