غادة حلاوي
إستنتاجان أساسيان خرج بهما الثنائي الشيعي بعد لقاءات الاثنين التي توزعت بين عين التينة وقصر بعبدا: الرئيس المكلف سعد الحريري لا يريد تشكيل حكومة و"التيار الوطني الحر" لا يريده رئيساً للحكومة. وبناء عليه فلا حكومة، ولا اعتذار للحريري في الوقت الحاضر، ولا استقالات نيابية بهدف انتخابات مبكرة. قالها احد رؤساء الحكومات السابقين صراحة، ان الحريري "يتهيب تشكيل حكومة" في الظرف الراهن، وقال مقربون إن قراره الاعتذار سيحسم في غضون ايام. أما استقالة النواب، فلا الحريري في وارد تنفيذ خطوة تزعج حليفه الاساسي رئيس مجلس النواب نبيه بري ولا "حزب الله" يلتقي مع حليفه "التيار الحر" على المضي بالاستقالة.
منذ تكليف الحريري قبل ثمانية اشهر تقريباً لم يكن يوماً تشكيل الحكومة ممكناً، لكنه وفي ضوء استفحال الخلاف بين الطرفين الاساسيين المعنيين بالتشكيل وانكسار الجرة بينهما بات الامر مستحيلاً بالفعل، ورغم ذلك لا يجد السعاة ضيراً من مواصلة المساعي ولو أن نتائجها باتت عقيمة بعد التراشق بالبيانات، التي استهلها "تيار المستقبل" ببيان قوبل باستياء كبير لتعرضه لموقع الرئاسة اولاً، ولأسلوب المخاطبة الذي لم يدرج عليه "المستقبل" في ماضيه لناحية اللغة المستخدمة. لكن ما همّ بينما المهم رفع سقف التراشق واستخدام اسوأ النعوت في سبيل شد العصب، طالما دخلنا فعلياً في مرحلة التحضير لزمن الانتخابات النيابية. فهل صحيح ان الحريري يبحث عن مخرج يؤمن له اعتذاراً يصوّره ضحية وبطلاً، استطاع ان يواجه باسيل ويتفوق عليه ليستثمره انتخابياً؟ مثل هذا الجو استشفه المطلعون على اجواء بيت الوسط عن قرب ممن يؤكدون ان الحريري فكّر بالاعتذار فعلاً، لولا ان تصدى له رؤساء الحكومات السابقون تؤازرهم اجواء تعتبر ان الحريري كسب معركته على الساحة السنية.
بالمقابل لا يجد رئيس "التيار الوطني الحر" حاجة لتقديم تنازلات للحريري والموافقة على ان يسمي وزيرين مسيحيين. يعتبر باسيل ان السجال سيتجدد حكماً مع الحريري وهو على رأس الحكومة، وطالما لا تزكّي السعودية عودته فما الجدوى من التمسك به. خلال الاجتماع مع الخليلين وبعد بحث مستفيض ونقاش حاد أصرّ باسيل على موقفه بعدم منح الثقة لحكومة الحريري، ما اعتبره الثنائي اجهاضاً للمساعي لما يعنيه ذلك من حجب الميثاقية المسيحية عن الحكومة. في المقابل رفض الحريري مخرجاً بأن يختار بالقرعة ويسحب اسمين لوزيرين مسيحيين من بين مجموعة اسماء واعتبرها اهانة لموقع الرئاسة الثالثة.
الحريري متهيّب او لا يريد تشكيل الحكومة وباسيل لم يسهل له مهمته ويرفض الدخول في تسوية جديدة معه بالمطلق. فما العمل اذاً؟ تدخل بري وبذل مساعيه سيستمران لكنه اصيب بخيبة أمل لم تثنِه عن استمرار دعمه للحريري. خلال استقباله الحريري في عين التينة سأله هل تريد ان تشكل حكومة؟ أجابه الحريري نعم. فعاود السؤال وهل لديك موانع خارجية تحول دون ذلك؟ اجابه بالنفي. في هذا الوقت كان استفسر بري مصادره ليتبين له ان الجانب الفرنسي لم يعد يولي اهتماماً لموضوع تشكيل الحكومة ولبقاء الحريري او لاعتذاره، ولذا يبدي بري تمسكه بالحريري لعدم وجود امكانية لدفعه الى الاعتذار دستورياً، وبوصفه زعيماً للسنة. يمكن الاستنتاج ان بري متحمس للحريري على حساب باسيل او انه يحمِّل الاخير نسبة 80 بالمئة من مسؤولية التعطيل مقابل 20 بالمئة للحريري.
المطلع عن قرب على موقف الثنائي الشيعي يلاحظ وجود اختلاف في المقاربة: بينما يعطي "حزب الله" الحق لرئيس "التيار الوطني الحر" ويدعم حجته، يعتبر الفريق الآخر ان باسيل اخطأ بالتعاطي معهما خلال الاجتماع الاخير ويحمله مسؤولية التعطيل. حتى الوسيط الشيعي بات منقسماً بين رأيين. يرفض "حزب الله" ان يظهر بمظهر الداعم لأحدهما على حساب الآخر. تواصله اليومي مع باسيل وحرصه على السير بالمفاوضات معه رغم تعنته بموقفه يشيران الى عدم نيته الضغط عليه ودفعه للتنازل. وهو ما يجد تفسيره لدى الاوساط المطلعة على موقفه من ان "حزب الله" ما اعتاد الضغط على حلفائه كي يفعل ذلك مع باسيل الذي لا يزال يحظى بمكانته في اوساط "حزب الله"، إلى حد يدفع امينه العام السيد حسن نصرالله للتوصية باستمرار الوقوف على رأيه ومواصلة التفاوض معه بشأن الحكومة، الى ان يتم ايجاد المخرج المناسب. يكثف "حزب الله" حالياً مساعيه للتوسط بين بري وباسيل وتأمين عقد لقاء يجمعهما للتفاهم مباشرة على ايجاد مخارج ممكنة.
بين الحريري وباسيل لم يعد الثنائي ينكر ان لا أفق لتشكيل حكومة لا على اسس سابقة ولا حالية فيما كل المبادرات صارت في خبر كان. حالياً الامور باقية على حالها، تقول مصادر معنية بالتشكيل، فيما تفصح معلومات جهات على صلة بهما ان الفرنسيين سحبوا يدهم من الحريري وان ثمة مرجعية سنية سابقة تتوسط لترجيح كفة تكليفها رئاسياً، وينقل عن وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان قوله خلال مأدبة عشاء حضرتها شخصية لبنانية، ان الحريري كان مربكاً خلال لقائه به في بيروت والعلاقة معه لم تعد كسابق عهدها، في المقابل سجلت معلومات تواصلاً حصل بينهم وبين باسيل خلال الساعات الماضية لم يفصح عن تفاصيل مضمونه بعد.