النقيب السابق لمحامي الشمال، الوزير السابق رشيد درباس
يلتصق الفصح الشرقي بذاكرتي مع عبير زهر الليمون وخفقان الحب الأول، ورنين الأجراس الفرحة، وساعة الهجمة التي ما إن تحل، حتى يصمّ الأزيز الآذان، وتنطلق الألعاب النارية، ثم ينبلج الفجر عن كمية من الفتية سجنتهم السلطة، نصفهم على الأقل من المسلمين المحتفلين بالقيامة على طريقتهم، ويكاد سمعي يردد أصداء مفاقسة البيض الملون، وتبادل التهاني، فأنتهز الفرصة لتنهنئة اللبنانيين، والمشرقيين والحبرين الصديقين متروبولويت بيروت المطران الياس عودة ومتروبوليت طرابلس وتوابعها سيادة المطران إفرام، الجزيلي الاحترام بأحر المحبة.
وأنتهز الفرصة، أيضاً لأقول إن القيامة أقوى من الخشبة التي عُلّق عليها، وأمضى من المسامير، وأفعل من أعمال التفريغ والتجويف التي يمارسها كثير من الساسة الذين يعاكسون أعمال الرعيان، ويدفعون قطعانهم إلى أوجار الذئاب.
يلحّ عليّ الأخطل الصغير إذ يقول:
إيه لبنان أين غُرَّتك البيضاء
أين العرين ..كيف أضمحلاَّ
ربَّ من يدعي الهداية.. لا يملكُ
رأياً ولا يُحَكِّمُ عقلا
تُبْصِرُ الناسَ تحت إمْرَتِهِ الحمقاء
أسْرى.. مُكَبَّلِين وقَتْلى
كُلُّ يَوْم لهُ مِنَ اللهو عيدٌ
كَرِثاءٍ على ضَريحكَ يُتْلى
أيُّ قادة هؤلاء الذين احترفوا منذ عقود أن يقدّموا لأنصارهم الوعود عالية السقوف من غير عَمَد، وأدمنوا ركوب ظهور الأجيال، فإن نفقت مطيّة انتقلوا إلى سواها، وهم على دأبهم في ترداد نشيد النصر من فوق منصة من برتقال مزعوم، فيما البساتين من تحتهم يابسة عجفاء، ذاوية الزهر، مخنوقة العبير، كأنها غابة في ظل فأس.
كنت فيما مضى أرى أن طبقة من السياسين تستثمر في فراغ المؤسسات لأنها عاجزة عن الابتكار والإنجاز، أما الآن فإني أرى المتسلطين ينقضون على المؤسسات ويمعنون فيها تفريغاً، حتى بتُّ على يقين أن ما يقومون به ليس نهجا أخرقً أو سياسة حمقاء، بل هو نهج متعمد، وسياسة مقصودة لكي تصبح الدولة عبارة عن طلول يطوف في وحشتها الدهر، كما يقول بدوي الجبل.
آخر المبتكرات، أن غرفة سوداء قررت أن تخترع قانون أصول محاكمات جزائية على مزاجها، وأن تختار قضاتها على مقاس مصالحها، فتنصّبهم بفرمانات همايونية، مع انّ الأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان.
حذار من القضاء الملاكي، لأن هذا يفضي إلى قضاء بالأجرة، أو قضاء تاكسي، وكذلك إلى محامي مقاولات وألتمس من كل من يتضرر من قرارات قضائية شاذة أو ناشزة، اللجوء إلى طرق الطعن، لأنهم سيجدون في الدرجات العليا تصويباً وتصحيحاً، وستؤول هذه الحماقة إلى المعالجات الرصينة.