عيسى يحيى
تربّعت قلعة بعلبك على عرش المعالم الأثرية المتجذّرة في التاريخ، وشكلّت عامل جذب يستهوي محبّي الغوص في أعماق الحضارات القديمة، وشاهداً على روعة الحضارة الرومانية التي أبدع بنّاؤوها في تشييد المعابد ونقشوا على جدرانها طقوس حياتهم وعباداتهم، وإقترن إسم المدينة بقلعتها وبالشمس التي لا تغيب عنها معظم أيام السنة.
لم يتوقف السياح الأجانب والزائرون من مختلف المناطق اللبنانية عن زيارة قلعة بعلبك يوماً بالرغم من المشاكل والخضّات الأمنية والأحداث التي عاشتها المنطقة لفترات سابقة، بالقدر الذي توقّفوا فيه اليوم جراء أزمة "كورونا" وما تبعها من أزمة إقتصادية تضرب في صميم الحياة اللبنانية بمختلف وجوهها، حيث أصبح همّ اللبنانيين تأمين قوت يومهم وعدم التفكير في ممارسة الهوايات التي يحبّون كزيارة المعالم الأثرية والتنزّه في أرجاء القلعة الصامدة بأعمدتها الستة تنتظر عودة الحياة إليها، بعدما أصبحت خاويةً على عروشها ومدرجاتها المرصوصة بدقةٍ متناهية والتي لم يستطع العلم الحديث فكّ رموز بنيانها.
غابت زحمة الزوار عن قلعة بعلبك وغاب معها كل شي، فالمهرجانات الدولية التي تقام كل عام توقفت بفعل أزمة "كورونا"، وإستعيض عنها العام الماضي بحفل من داخل أرجاء باحة معبد باخوس من دون جمهور، في رسالة صمود للشعب اللبناني خلال فترة الحجر في تموز الفائت، وهي بحكم الملغاة هذا العام أيضاً بفِعل الجائحة التي تضرب العالم أجمع. ومع غياب المهرجانات يفتقد سوق بعلبك والمطاعم المحيطة حركة السياح التي كانت تشكل دافعاً أساسياً لإقتصاد المدينة، فالجميع كان ينتظر هذا الموسم بفارغ الصبر ليعوّض خسارته خلال الأيام السابقة، فكيف بالحال اليوم والخسارات تتوالى وتتراكم والحركة السياحية في حالة ثبات ومتوقفة حدّ الإنقطاع؟
لا يشبه المنظر الذي كانت عليه القلعة وعند مدخلها ما هو عليه اليوم، عشرات البسطات الصغيرة والعربات التي تبيع تذكارات وهدايا وتحفاً مزخرفة تحاكي تراث مدينة بعلبك وقلعتها إختفت من أمام المدخل الرئيسي وعلى الطريق الممتدّ من وسط السوق وصولاً حتى القلعة، وإقتصرت على بعض المحال التي تبيع الأدوات التراثية والتحف التي لا تزال تفتح أبوابها أمام الزائرين، فهي تحمل رائحة الذكريات التي تحاكي الماضي والزمن الجميل. ويشير علي بيان، صاحب أحد المحلات المحيطة بالقلعة لـ"نداء الوطن" الى "أن الأوضاع اليوم لا تشبه الماضي أبداً، فالقلعة لا يزورها أحد من السياح الأجانب أو أبناء المدينة ومن المحافظات اللبنانية منذ أكثر من سنة بسبب جائحة "كورونا"، إضافة إلى أوضاع الناس المعيشية الصعبة، فنحن إعتدنا على أهالي المدينة والبلدات المجاورة زيارة القلعة وإعادة الحياة إلى أحجارها، وكانت تشهد خلال أيام العطل زحمة كثيفة لكنها اليوم فارغة، ونحن نفتح محالنا لأنّها ملك لنا وليست بالإيجار، ولو كانت كذلك لأفرغنا بضاعتنا وبحثنا عن عمل آخر منذ زمن"، مضيفاً بـ"أن الإقبال على شراء الأنتيك والتحف والتذكارات صفر، لا سيما بعد تأثير سعر صرف الدولار على الأسعار التي زادت بنسب عالية تفوق الخمسة أضعاف".
بدوره، هادي عثمان صاحب بسطة لبيع المسابح والتذكارات الخشبية أمام قلعة بعلبك أشار لـ"نداء الوطن" الى أنه ترك عمله على البسطة منذ سنة تقريباً وهي تركُن في البيت اليوم، ويقتصر عمله على بيع المسابح أمام المقامات الدينية خلال الزيارات التي تأتي من خارج المدينة وخصوصاً من العراق وإيران، لافتاً الى أن الحركة هناك ايضاً شبه معدومة، مستذكراً الأيام الجميلة أمام قلعة بعلبك والتي كان فيها أصحاب البسطات يبيعون السياح الأجانب وبالدولار أيضاً. كذلك تعلّم عثمان بعض الكلمات باللغة الإنكليزية خلال عمله منذ عشرين سنة يستقبل بها زبائنه، مضيفاً بـ"أنّ البسطة ليست للعمل فقط فهي تحاكي تاريخ بعلبك وحضارتها ومعروضاتنا عليها تشبه مدينتنا وأيام عزّها التي تراجعت خلال هاتين السنتين".
يتحسّر جيران القلعة على حال الركود الذي تشهده وإنعدام الحركة السياحية داخلها وغياب السياح قسراً، آملين في أن تنتهي أزمة "كورونا" وتعود معها الحياة إلى دورتها الطبيعية وتعود أرجاء القلعة ومدرجاتها تصدح بأصوات المطربين والفرق الموسيقية، وتنتعش أوضاع الناس الإقتصادية وتعود القلعة مقصداً من جديد.