التايتانيك دمَّرها ساستُها لا ركَّابها
التايتانيك دمَّرها ساستُها لا ركَّابها

خاص - Sunday, April 11, 2021 8:35:00 AM

الشاعر هنري زغيب

كلُّ ما حولنا يَدعونا إِلى التطرُّف. كلُّ ما أَمامنا يدعونا إِلى الغضب. كلُّ ما فينا يولِّد لنا المرارة. كلُّ ما يَحدُث لدينا يُحفِّزُنا إِلى الثورة العاصفة بلا هوادة. كلُّ ما يطالعنا صباحَ كلِّ يومٍ يَشحن شعبَنا بِكُرْهِ سياسييه، بِلَعْنِ سياسييه، بالحقد على سياسييه، بِبُغْض سياسييه إِلى الأَبد فردًا فردًا وجماعةً جماعةً وعصابةً عصابة.
وها شعبُنا اليوم: رُصَناؤُهُ في خيبة، حكماؤُه في مرارة، شِيبُهُ في يأْس، شبابُه في إِحباط، أَرَامِلُه ويَتَاماه وأَيَامَاه في بكاء، حتى لهو استنفد جميع كلمات الفساد وصبَّها على رؤْوس سياسييه لاعنًا ساعةَ أَوصَلَهُم إِلى الحُكْم، متربِّصًا ساعةَ يخَلَعُهُم عن الحُكْم.
يُهَوِّلُون على شعبنا بالتايتانيك غرَقًا؟؟ التايتانيك غرقَت لا بسبب ركَّابها الْكانوا نائمين مطمئِنِّين في أَسِرَّتِهِم الحديدية بل بسبب قادتِها وقُوَّادها وقَوَّاديها الذين، بإِهمالهم وعُهْرهم وصَلَفِهم وأَهوائِهم وملاذِّهم وشخصانياتهم، تلَهَّوْا بـ"أَنَا"هُم وأَغفَلوا قيادةَ السفينة فارتطَمَت بجبل الجليد وانقصفَت بأَكبر فاجعة بحرية في القرن الماضي، لا يقلُّ عنها انقصافُ لبنان في أَكبر فاجعة بَرِّية بحرية مرفَئِيَّة في هذا القرن.
لا بالوطن كفَرَ شعبنا بل بِـمَـن يَسُوسُون الوطن، بكلِّ فردٍ مِـمَّن يسُوسُون الوطن، لا يستَثْنُون منهم أَحدًا. وها شعبُنا استدرك أَنه منذ سنوات لا ينتخب له ممثِّلين بل جلَّادين، لم يعُدِ اليومَ يَقبَل أَنَّ جلَّاديه هؤُلاء هم مُنْقِذوه من الجَلْد، ويراقبُهم يتحرَّكون ويَزورُون ويُزارون ويصرِّحون ويُسْتَصْرحون في الإِذاعات والتلافيز واهمين أَو مُوهِـمين أَنهم سيجدون الحلول.
كانوا حتى الأَمس القريب يتنقَّلون بين الناس طاوُوسيًّا، يتنمَّرون عليهم بفظاظة وكبرياء وشخصانية، فباتوا اليوم مرعوبين محجورين في جحورهم وأَوكارهم وأَوجارهم، ما عادوا يجرُؤُون على الظهور بين الناس خوفَ تلحقُ بهم لعنة الناس الغاضبين على كلِّ ما وكلِّ مَن.
"شعب لبنان العظيم"، علَّمهم سعيد عقل هذه الصفة؟ نعم. شعبنا عظيمٌ عظيم. لكنَّ ساسته أَثبتوا أَنْ ليسوا يستاهلون شعب لبنان العظيم، ولا أَن يَحكُموا شعب لبنان العظيم، ولا يستحقُّون أَن يتولَّوا إِرث لبنان العظيم مناراتِ إِبداعٍ وتاريخٍ وحضارة.
على ذكْر الحضارة: مبروك لـمصر موكبُها الجلَل، الأُسبوع الماضي، في شوارع القاهرة ترحِّب بمرور مومياوات الملوك الحكَّام، فيما شوارعُنا ترفض حتى نفاياتُها مرورَ حُكَّامنا المومياويين.
نَظلمهم بعباراتٍ غير لائقة؟؟ هذا أَدنى الأَقلّ، بعدما هُم لم يتركوا تصَرُّفًا غير لائِق إِلَّا مارسوه، وارتَجَلوا شعبنا حقولَ اختبار لانتخاباتهم القذرة، وحوَّلوا أَهالينا فئران مختبرات، وجعلوا كلَّ لبنان مركبًا يَهذي يترنَّح يَشرُدُ يضيعُ يتيهُ يتخبَّطُ في أَعاصيرَ اقتصادية ومالية ومعيشية، حتى تنادَت أَخيرًا دولٌ خارجية تتولَّى شؤُون الوصاية في الفصل والوصل، بعدما تبيَّن لها أَن حكَّامنا جعَلوا لبنان سلطةً فاشلةً قاصرة، وأَنهم غيرُ جديرين بالحُكْم، وأَنهم أَعجَزُ من أَن يتولَّوا إِدارة لبنان، حتى قال الرئيس ماكرون قبل أَسابيع: "أَيها اللبنانيون، إِني أَخجَل بحُكَّامِكُم".
ختامًا: من قَبِيل الصِدفة أَنني، فور انتهائي من كتابة هذا النص، عُدتُ إِلى مكتبتي أَسحَب منها كتابًا أَحتاجُ إِليه، فانزَلَقَتْ عيناي على مسرحيةٍ لـصديقي يعقوب الشِدراوي، عنوانُها: "بلا لِعْب يا ولاد".

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني