كلير شكر
ما كادت تمرّ ساعات قليلة على زيارة السفير السعودي وليد بخاري إلى المختارة للقاء رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط في خطوة لها الكثير من الدلالات في هذه اللحظة السياسية الدقيقة التي تلي ترويج المضيف للمنطق التسووي، حتى غرّد جنبلاط قائلاً: "العالم في انتظار عدة اخبار: الملاحة البحرية والتجارة العالمية تنتظران انقاذ قناة السويس وفتحها مجدداً، ومن جهة ثانية محور اقليمي ينتظر رفع العقوبات من دون قيد او شرط لتثبيت هيمنته". ولفت إلى أن "السؤال المطروح اي نوع من الالغام او العقوبات الفردية ام الجماعية التي تحول دون تشكيل الوزارة في لبنان".
هذا يعني باختصار: لا تزال الألغام مزروعة في طريق الحكومة وتحول دون ولادتها، رغم الليونة التي تبديها الدول المعنية بالملف اللبناني. يأتي هذا الكلام في موازاة مبادرة يحكى أنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري بصدد قيادتها بين الطرفين الخصمين، أي رئاسة الجمهورية ومعها رئاسة "التيار الوطني الحر"، ورئيس الحكومة المكلف من جهة ثانية. ولكن، حتى اللحظة، يتجنّب بري توجيه رسائل جدية أو واضحة تثبت أنّ الرجل سيفعلها ويشغّل محركاته باتجاه المعنيين، ولو أنّ الزيارة التي قام بها رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، قبل أن يقصد البطريركية المارونية، بدت وكأنها في سياق انطلاقة مبادرة بري التفاهمية.
في الواقع، يقول أكثر من سياسي متابع إنّ القوى السياسية اللبنانية فوّتت أكثر من فرصة لتأليف حكومة قادرة بالحدّ الأدنى على وقف الانهيار الحاصل، لكن تعنّت طرفيّ النزاع حال دون التقاطهما تلك الفرص والتقائهما عند خطّ مشترك يسمح لهما بعبور نفق خلافاتهما وتبايناتهما وأثقال تجاربهما السيئة. بين خروج دونالد ترامب ودخول جو بايدن البيت الأبيض، كان يمكن للبنانيين أن يستفيدوا من ذلك الوقت المستقطع لتركيب حكومتهم لكنهم لم يفعلوها. حتى المبادرة التي قادها مدير عام الأمن العام اللواء عباس ابراهيم كان يمكن لها أن تؤسس لمسار تفاهمي، لكنهم أهملوها. وكأن المشاورات الحكومية تترنّح على صفيح الصراع العابر للاصطفافات، تنتظر شيئاً ما، لا أحد يدري ما هو.
المفارقة، أنّ الدول الغربية، ومنها الولايات المتحدة الأميركية، وقبلها فرنسا، باتت تستعجل قيام حكومة لبنانية، بشكل يفوق استعجال القوى السياسية المحلية، التي تمارس كل أنواع الغنج والدلال والرهانات الكبيرة، تاركة الوضع الاقتصادي- المالي- الاجتماعي في مهب الريح، غير عابئة بأضرار وتداعيات البركان المنفجر الذي قد يطيح كل شيء.
فرئيس الجمهورية ميشال عون مصرّ على اخراج رئيس "تيار المستقبل" سعد الحريري من السباق، ولو أنّ الدستور لا يسعفه في هذا المشروع، لكنه يعتقد أنّ الضغط في أكثر من اتجاه، سواء على المستوى الدبلوماسي، الإعلامي، والسياسي قد يدفع بالحريري إلى الاعتذار. كما أنّ أداء الأخير طوال فترة المشاورات لم يعزز من رصيده السياسي في حساب قصر بعبدا، بل العكس تماماً. فتارة يرفع عنوان المداورة ثم يستثني الثنائي الشيعي منها ويريد إلزام الرئاسة بها، وتارة يقدم حقيبة الداخلية على طبق من فضة لرئيس الجمهورية ثم يعود عن عرضه... بالنتيجة، يسود انعدام الثقة بين بعبدا وبيت الوسط، وقد يصعب ترميمها في وقت قريب وبمساعدة محلية. لا بدّ من ضغط خارجي، لا يزال حتى الساعة غير متوفر، كي يتمّ تذليل العقبات وتقريب وجهات النظر والدفع باتجاه تأليف الحكومة.
حتى الآن، لا يبدو أنّ المناخ الداخلي بات ناضجاً كي توضع الحكومة على نار حامية. ومن الطبيعي وفق المتابعين ألّا يخاطر رئيس مجلس النواب برعاية مبادرة غير مضمونة النتائج. سيفعلها بري حين يشعر أو تأتيه المعطيات الإيجابية التي قد تشجعه على المضي قدماً في حراكه. أما قبل ذلك فمن غير المتوقع أن يفعلها. وحتى الآن لا تبدو المعطيات مشجعة أبداً.