أحزاب الله
أحزاب الله

خاص - Sunday, March 15, 2020 8:20:00 AM

النقيب السابق لمحامي الشمال، الوزير السابق رشيد درباس

 

يوم الثلاثاء الماضي تآمرت الكورونا على الدكتور محمد علي مقلّد، كأنها وباء لا يكتفي بغزو الجهاز التنفسي فحسب، بل يتعداها إلى التنفس الثقافي، حيث كان موعد لمناقشة كتاب الدكتور مقلد (أحزاب الله) في الحركة  الثقافية في انطلياس، فأحجمت الحضرة عن الحضور، وكذلك فعل المناقش الآخر الدكتور سليم الصايغ فاكتفى مدير الندوة بقراءة مداخلته بالنيابة.

وبما أنني لا اتخلّف عن هكذا مناسبة، فقد  توجهت من طرابلس إلى انطلياس، مدججاً بسوائل التعقيم التي ذخرتني بها  أم توفيق، وبوصاياها بالامتناع عن السلام والتقبيل والعناق، وبضرورة العودة إلى القارورة السحرية الموجودة في جييي كلما دعت  الحاجة.

 وصلت قبل الموعد بقليل ودخلت إلى مكتب الوالي الثقافي  الدكتورعصام خليفة فوجدت هناك والياً آخر هو الدكتور انطوان سيف الذي أشار إلى برنامج "ناقوس في أحد"(الذي يذاع صبيحة كل أحد من "صوت كل لبنان")، بمحبة جعلتني أديم التزامي بهذا الموعد الصباحي إقراراً واعترافاً بفضل المستمعين إليه، أما الندوة التي أدارها الاستاذ فرنسوا قزي، فكان شهودها عشرين، قرروا المغامرة وجلسوا متباعدين في قاعة تتسع للمئات، فأحسست حيالهم بالحرج لأنني سأجلدهم بألف وسبعمئة كلمة تتألف منها مداخلتي، ولهذا حاولت ما استعطت  أن أخرج من صرامة البحث النظري الذي اتسم به الكتاب ومقدمة الشيخ علي حب الله التي أُعدها فعلاً من أهم مقدمات الكتب التي قرأتها، لأنها لا توطىَّ للكتاب فحسب، بل تدخل في ثناياه وحناياه، ومنعرجاته الفكرية، تخالفه وتقاربه، ولكنها في جميع الأحوال، مقدمة تدعو إلى الدهشة من شيخ معمّم خريج الحوزات، لما فيها من دلالات باذخة على شساعة حقوله الثقافية وتنوعها، ولما فيها على وجه أخص، من نزعة تحررية أفضت به إلى تكرار ما كان قد كتبه سابقاً من ان نظرية داروين لا تنطوي على كفر او إلحاد، ذلك أن الصلصال جماد، والنبات ابن الصلصال زائدٌ نموًّا، كما الحيوان نموٌّ زائدٌ حسًّا، أما الإنسان فحيوان زائدٌ عقلًا، فإذا كان الله قد خلق الإنسان من صلصال كالفخار فهذا لا يعني أنه أنشأه فوراً من أدنى العناصر دون المرور في المراحل التي ترتقي من خلالها.

ولقد ركّز الدكتور مقلّد في كتابه على أن أحزاب الله ليست فقط الأحزاب الدينية، بل هي الأحزاب الدوغمائية كلّها لأنها تقدّس النص الموروث فتعطل التفكير والابتكار، وتدفع الناس إلى الاستسلام الفكري والوقوع بالتالي في قبضة الاستبداد.

وللمؤلف في موضوع الاستبداد باع وذراع، بل هو امتداد لمشروع الكواكبي في طبائع الاستبداد، وقد كتب مقالاً جميلاً عدّد فيه مظاهرة متعدياً استبداد السطات وتحكّمها، إلى استبداد المثقّفين والمفكّرين والعادات الاجتماعية والعائلية والمهنية وجمود النصوص، ولذلك فهو إذ اختار لكتابه عنواناً جمعاً هو (أحزاب الله)، فليس تملصاً من عواقب مفردها ذي الرهبة والمهابة، بل ليدخل الأحزاب الايديولوجية أيضاً في هذا التصنيف بما فيها حزبه  الشيوعي الذي نما فيه وعاش، وربيَ على أفكار صديقه ومعلّمه مهدي عامل الذي قتلته يقينيته كما جاء في اهدائه للكتاب.

كان اللافت بعد انتهاء الندوة أن عقّب المؤلف على مداخلة الدكتور سليم صايغ التي اعطت لكتابه أبعاداً سياسية راهنة هي ليست من فحوى المؤلف ولا من مقاصده، إذ أكد على أنه كان يهدف من تلك الدراسة المتأنية نقد الممارسة النظرية التي أولاها مهدي عامل عناية من أجل ان تكون للفكر دينامية نظرية تحسن تطبيق المجرد على الواقع بمرونة حرة من القداسة.

ولم يفته في النهاية من توجيه عتاب حزين لصديقه ومعلّمه مهدي عامل- حسن حمدان، إذ حَّمله شخصياً مسؤولية قتله، لأنه آمن ليقينيته ولم يحذر من أن المجرم كان يكمن له في أحد منعطفاتها.

رغم الكورونا، كنت سعيداً في ذلك اللقاء، ولهذا أردت إشراككم به، ناصحاً بقراءة هذا الكتاب (أحزاب الله) الذي يشكل مع مقدمة  الشيخ علي حب الله مشروعاً فكرياً مهما.

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني