جوني منير
استوقف الخطاب الاخير لأمين عام «حزب الله»، السيد حسن نصرالله الأوساط المراقبة المحلية والخارجية. ليس فقط لأنّه حمل رسائل كبيرة بالجملة، بل بسبب التوقيت الذي أطلّ من خلاله، والذي جاء بعد استضافة موسكو المعبّرة لوفد «حزب الله»، وفي ظلّ التحضيرات القائمة في المنطقة حول التسوية الاميركية - الايرانية المنتظرة.
كانت كلمة نصر الله مسبوكة ومترابطة بشكل كامل وضمن قالب واحد، يحاكي تحدّيات الحاضر وفق احتمالات المستقبل. كان هنالك الكثير من النقاط المهمة، لكن ثمة نقطتين ظهر وكأنّهما تثيران حساسية واضحة. الاولى تتعلق بالأزمة المعيشية على الساحة الشيعية، والثانية خطر الصدامات الذي قد ينتج من اقفال الطرقات، والذي قد يتطور الى نزاعات مسلحة، والمقصود هنا خصوصاً، الحساسية السنّية - الشيعية. الواضح انّ السيد نصرالله يضع ذلك في إطار وجود مخطّط مقصود، بهدف إما الرضوخ لقطع التواصل بين الضاحية الجنوبية والجنوب، أو الدفع باتجاه حصول احتكاكات قابلة لأن تتطور. كما استبق ذلك بالحديث عن الحرب الاهلية، والأهم عندما بدأ كلمته بالإشارة الى الدور الاميركي في رعاية التنظيمات المتطرفة والاستفادة منها في المنطقة.
كلمة السيد نصرالله كان قد سبقها اشتباك مسلح محدود قرب مسجد القصار في منطقة عائشة بكار على خلفية قطع الطرقات، وأخذ طابعاً مذهبياً. ومن الواضح، انّ هواجس امين عام «حزب الله» جرى وضعها في إطار الصورة الشاملة. فالمرحلة انتقالية والمطلوب التحضير لخارطة نفوذ جديدة.
وفي موسكو، كان وفد «حزب الله» قد تباحث مع وزير الخارجية الروسية بما يتعدّى الساحة اللبنانية، وصولاً الى سوريا والعراق وحتى اليمن. وهي ساحات موجود فيها «حزب الله» ولو بنسب متفاوتة. وبخلاف ما جرى تداوله، فإنّ روسيا لم تضغط على «حزب الله» رغم تكرارها لموقفها الداعي لتسهيل ولادة الحكومة برئاسة سعد الحريري، على أن تكون جامعة وخالية من حصول اي فريق على الثلث المعطّل لوحده.
في الواقع، بات معروفاً أنّ موسكو دخلت في مفاوضات مع واشنطن حول إعادة ترتيب خارطة النفوذ في المنطقة. وأنّ روسيا، والتي تحظى بعلاقات دافئة مع اسرائيل، تريد انتزاع مكاسب واسعة في سوريا وبإقرار اميركي، وعلى قاعدة توازنات دقيقة في المنطقة، تسمح لها بحماية نفوذها وتعزيز دورها مستقبلاً.
أما في لبنان، فهي ستكون معنية بمهمة واحدة، لقاء أثمان ستدفعها واشنطن في اماكن اخرى، ولكن بعد الاتفاق الروسي - الاميركي، حول كامل البرنامج.
وفي الانتظار، فإنّ روسيا أعطت اشارة الاستعداد، مع محاذرتها الانزلاق في الزواريب والسراديب اللبنانية. وخلال مرحلة الانتظار هذه، التي ستستغرقها مفاوضات التفاهم بين واشنطن وموسكو، فإنّ الكرملين سيعمد في بعض الأحيان الى تقريب المسافة بينه وبين ايران و»حزب الله»، بهدف تحسين وضعه التفاوضي مع الادارة الاميركية.
وفي المقابل، قد يكون «حزب الله» يتحسب للضغوط عليه على الساحة اللبنانية، طالما انّ الهدف الاميركي النهائي هو إيجاد حلّ لسلاحه ودوره العسكري.
من هنا خلفية كلام السيد نصرالله، انّ بالنسبة للساحة الشيعية او الاهم، بالنسبة لتحضير الأجواء لصراعات مذهبية متنقلة. وقبل اشتباك عائشة بكار، حصل اشتباك لا يقلّ خطورة في خلدة مع عشائر العرب.
وما يرفع من مستوى القلق، مخيمات النازحين السوريين التي انتشر بعضها في مناطق حساسة. وأخيراً اكتشف الجيش اللبناني أنفاقاً تحت الارض لدى مداهمته مخيمات النازحين السوريين في عرسال. وهو ما يدفع للاستنتاج بأنّ هذه الأنفاق قد تكون موجودة في مخيمات اخرى. وبالتالي، فإنّ السؤال هو عن سبب حفر هذه الأنفاق. ومعه إذا اضفنا ما بات معروفاً وجود اسلحة ولو فردية في بعض المخيمات، أضف الى ذلك، تلك التقديرات التي تتحدث عن وجود حوالى 70 الف نازح سوري كانوا قد تلقّوا تدريباتهم العسكرية سابقاً، ما يعني وجود خبرة عسكرية لديهم. فعندها نكون نتحدث عن احتمالات يجب اخذها في الاعتبار في مرحلة بالغة الدقة. ألا يعني شيئاً قيام تركيا في هذه المرحلة بالإغارة على شمال الرقة، حيث مواقع عسكرية كردية، وذلك للمرة الاولى منذ حوالى السنة ونصف السنة؟
كذلك تصاعد الصراع حول النفط السوري، حيث تمسك واشنطن بمعظم حقوله، فيما تنظر اليه روسيا.
المهم، انّ الدخول الروسي الرسمي على خط التواصل مع «حزب الله» حصل «بنعومة» على غير عادة الدب الروسي. وجاءت الخطوة الروسية حول نية موسكو الاهتمام بملف النازحين السوريين بليغة جداً. ففي حزيران المقبل سيُعقد المؤتمر السادس عشر حول سوريا في مدينة نور سلطان (استانة) في كازاخستان، والذي سيشارك فيه اضافة الى روسيا وتركيا وايران، مراقبون من الاردن والعراق ولبنان والامم المتحدة.
وتأمل روسيا التحضير لمؤتمر مخصّص لملف النازحين السوريين، وذلك في موعد ليس ببعيد في بيروت، بعدما فشل المؤتمر السابق، والذي عُقد في دمشق. وكان الممثل الروسي الخاص في سوريا الكسندر لافرنتييف اجرى مباحثات مع ممثل الامم المتحدة غير بيدرسون حول عقد هذا المؤتمر في بيروت وذلك في 18 شباط الماضي.
كما باشر السفير الروسي لدى الفاتيكان الكسندر اودييف التباحث مع مسؤولي الكرسي الرسولي حول هذا الملف، الذي يؤثر مباشرة على مستقبل مسيحيي الشرق.
وفي لقاءاته البعيدة من الاعلام، نُقل عن لافرنتييف، بأنّ العواصم الغربية هي من عملت على إفشال مؤتمر دمشق حول النازحين، عن سابق تصور وتصميم.
وبخلاف ما أعلنه وزير الشؤون الاجتماعية رمزي مشرفية غداة عودته من دمشق، بأنّ زيارته كانت ناجحة، فإنّ الروس يشكّكون بنوايا العواصم الغربية من هذا الملف في هذه المرحلة. لا بل فإنّهم يعتبرون انّ مبلغ الـ 300 دولار الذي يتقاضونه شهرياً من المنظمات الدولية، يحفّز النازحين السوريين على البقاء في البلدان التي يتواجدون فيها، وأنّ هذا المبلغ قد يكون مساعداً في حال جرى تخصيصه لعودة هؤلاء ولتأهيل منازلهم. وقد يكون الاردن وجد الطريقة الأفضل التي ربما على لبنان اعتمادها، وتقضي بإلزام المنظمات الدولية بتخصيص نسبة 40% من الاموال التي تُصرف للنازحين لدعم الدولة المضيفة. الاردن نجح في تحقيق مطلبه، فيما السلطة في لبنان غير مهتمة رغم الكارثة المالية والاقتصادية. وخلال الاجتماع الماضي في استانة، تبلّغ لبنان رسمياً من بيدرسون عبر سفيره في روسيا شوقي بو نصار، ان لا عودة قريبة للنازحين السوريين. واستخدم ممثل الامم المتحدة في سوريا كلاماً ديبلوماسياً منمقاً حين قال: «نتفهم وجع وكرم لبنان باستضافة النازحين. لكننا كأمم متحدة بحاجة لبعض الوقت، الى حين تحقيق حل شامل في المنطقة».
في الواقع، فإنّ القناعة لدى موسكو بأنّ ملف النازحين ينتظر ماذا ستفعل واشنطن. ولا حاجة للكثير من التفكير للربط بين المبدأ الانساني للعودة وبين إنضاج المشاريع السياسية، و»حزب الله» في صلب هذه المشاريع. لذلك اكتفت موسكو بالردّ على اقتراح الحريري، والذي أيّده سمير جعجع حول عودة النازحين السوريين في لبنان الى سوريا برعاية روسية منفردة، بأنّ روسيا لن تدخل في تجزئة الحل او ربما ليس بوسعها، فالعودة بحاجة الى مال والدول الخليجية التي تملك المال تنتظر القرار الاميركي.
وربما ما لم تقله روسيا بأنّها تنظر الى دور ثابت لها في سوريا، والذي لا يستقر الّا بإطلاق ورشة اعادة الاعمار، وهو ما يحتاج ايضاً الى استثمارات مالية ضخمة. لكن في النهاية، فإنّ موسكو التي استقبلت وفد «حزب الله»، لوّحت بتأثير لها على ورقة النازحين، وانّها تنتظر صفقة مع الاميركيين قد تتأخّر ولكن ليس كثيراً.