عقد المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى جلسة في دار الفتوى برئاسة مفتي الجمهورية الشيخ الدكتور عبد اللطيف دريان، وتداول في مختلف المواضيع والأوضاع السائدة في البلاد.
استهلت الجلسة بقراءة سورة الفاتحة عن روح عضو المجلس الشرعي الدكتور عبد الإله ميقاتي ، بما "كان له من دور مهم في مسيرة المجلس وعلى الصعيدين الإسلامي الوطني. وتقدم المجلس من مفتي الجمهورية اللبنانية ومن المسلمين في لبنان وأهل الشمال وطرابلس بصورة خاصة، ومن اللبنانيين جميعا بأحر التعازي لفقدان عضو المجلس الدكتور ميقاتي ، الذي غيبه الموت وهو في قمة عطائه واندفاعه في عمل الخير والعمل العام، والذي كان يتحلى بالإيمان القوي ويتميز بأخلاقه العالية وكان قمة ومثالا في التعامل الانساني والتفاعل مع مجتمعه ومحيطه ومع كل فقير ومحروم ومحتاج".
البيان
وصدر عن المجلس الشرعي بيان، تلاه عضو المجلس الشيخ فايز سيف، وفيه:
"اولا: يوجه المجلس الشرعي الاسلامي الأعلى تحية تقدير وإكبار إلى الجيش اللبناني، قيادة وضباطا وافرادا، للجهود المضنية والتضحيات الكبيرة التي يقدمها الجيش من أجل المحافظة على أمن المواطنين وتمكينهم من التعبير عن آرائهم، وحماية التظاهرات التي يقومون بها، في ظل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية والانسانية الخطيرة التي يعيشونها والآلام التي يكابدونها والتي تنال من حياتهم وكرامتهم وتعرضهم للذل والمهانة، والتي لم يعتدها اللبنانيون، في ظل غياب الدولة ومؤسساتها عن القيام بواجباتها تجاه مواطنيها وتوفير الحد الأدنى من السلام والأمن الاجتماعي والاقتصادي والحياة الكريمة.
ويثمن المجلس الشرعي الأعلى خاصة الدور الوطني والحكيم لقائد الجيش العماد جوزف عون في حرصه على حرية التعبير التي يصونها الدستور، وعدم استعمال العنف أو القمع ضد المتظاهرين، من جهة، وتمسكه بالحفاظ على النظام العام في البلاد، وعدم التعرض للأملاك العامة والخاصة، من جهة ثانية، بما يكفل ممارسة المواطنين للحقوق والحريات التي كفلها الدستور، وضمان أمن البلاد وانتظام الحياة فيها. فالجيش هو جيش الشعب وقد وجد للدفاع عن حدود لبنان، ولحماية اللبنانيين في الداخل، وليس لقهرهم واذلالهم.
ثانيا: يؤكد المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى، مسؤولية القيادات السياسية في وضع حد للفوضى والضياع التي تسود البلاد نتيجة عدم تشكيل حكومة وإيصال البلاد إلى حالة الانهيار الكامل، اقتصاديا وماليا واجتماعيا ومعيشيا وأمنيا، والإمعان في التخلي عن مسؤولياتهم وواجباتهم، من دون وازع من وطنية أو ضمير إنساني، والتي تعطي وحدها، مبررا وشرعية لوجودهم.
إن المجلس الشرعي الاسلامي الأعلى يلفت نظر المسؤولين جميعا، ومن يتولى إدارة الحكم وقيادة الدولة، وكل من يعنيه لبنان وأهله وشعبه إلى وجوب قيامهم بالاصلاحات الأساسية والضرورية الشاملة وإخراج لبنان من حالة التردي والانهيار والسقوط الكامل، وإعطاء أمل جديد للبنانيين في إعادة بناء بلدهم وإعماره، وفتح المجال أمام دول العالم الراغبة في مساعدة لبنان والمساهمة في عملية إنقاذه.
ثالثا: يأسف المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى، ويشعر بالألم لما آلت إليه أوضاع الناس في لبنان، من فقر ومرض وتراجع في إمكاناتهم وقدراتهم، وما يرافق ذلك من بطالة وتشرد وتفكك للعائلات. وغربة وضياع لجنى العمر، ويأس، وخوف وهم قاتل، وهم يرون أبناءهم خارج مقاعد الدراسة، والسنوات تمر سريعة من أمامهم، وهم مهددون في مستقبلهم وبناء حياتهم، ولا من يسأل أو يهتم، وأبواب الحياة مقفلة أمامهم، والمسؤولون في غفلة عن تولي وتدبر امور الناس وشؤون حياتهم، وأن التخلي عن هذه المسؤولية والأمانة، يفقدهم الحق في الاستمرار في قيادة البلاد وأمنها وسلامتها، فلا يجوز أن يبقى المسؤول في سدة المسؤولية، وهو عنها غافل أو غير سائل او غير مهتم وكأن الأمر لا يعنيه، كما هو حاصل الآن، والناس يتألمون ويعانون ويتحملون كل أنواع الذل والهوان، حيث لبنان كله بات مهددا في مصيره ووجوده ومسقبله، وعلى المسؤولين جميعا أن يحسموا أمرهم، ويبادروا فورا إلى تشكيل حكومة من اختصاصيين وأصحاب خبرة، مستقلين وغير حزبيين وفقا لما يقضي به الدستور للنهوض بالبلاد والاقلاع عن الاهتمام بمصالحهم الخاصة، وهاجسهم الوحيد الاستمرار بالسلطة، فالسلطة التي بأيديهم هي امانة لخدمة الناس، وليس لخدمة مصالحهم الخاصة، وهم لا يدركون أن السلطة لن تحميهم ولن تبقى لهم، وان ثورة الجياع، إن لم يستفيقوا من سباتهم، ستطيح بكل شيء.
رابعا: إن المجلس الشرعي الاسلامي الأعلى لن يسكت عن ما يجري في البلاد من فقر وقهر وظلم واستهتار وتخل عن المسؤولية وتهديد للمصير ولحياة اللبنانيين، ولا عن دور دار الفتوى المرجعي والوطني والجامع والتاريخي. إن دار الفتوى والمجلس الشرعي الإسلامي الأعلى يقفان دون تردد ولا التباس، مع اللبنانيين في مطالبهم الانقاذية، نحن مع إنقاذ البلاد من هول ما تعدنا به الطبقة الحاكمة، نحن مع الدستور ومع تطبيقه نصا وروحا، نحن مع الطائف، نحن مع معالجة الأوضاع الاقتصادية والحياتية والمعيشية، نحن مع عودة لبنان إلى حياته الطبيعية، مع إنمائه وازدهاره، نحن مع التأكيد على العيش المشترك، العيش المشترك الإسلامي- المسيحي الآمن والكريم والمستقر، نحن مع عروبة لبنان وحضوره ودوره العربي في كل المجالات، نحن مع لبنان، وطنا سيدا حرا مستقلا، وطنا نهائيا لجميع أبنائه، نحن مع وحدة لبنان، ووحدة اللبنانيين، فلا فرز للشعب على أساس أي انتماء كان، ولا تجزئة ولا تقسيم ولا توطين، كما يقول الدستور.