لوسي بارسخيان
"صرّافو زحلة ليسوا شركاء في الأزمة التي تمرّ بها الليرة اللبنانية، إنّما هم ضحايا الفوضى المسيطرة على سعر صرف الدولار"، هكذا يصف الحال أحد أصحاب مؤسسات الصيرفة القليلة التي لا تزال تعمل في مدينة زحلة، جازماً بأنّ حركة التداولات لدى صرّافي زحلة كانت أفضل بكثير قبل إندلاع الأزمة الإقتصادية، وكان هناك تنوّع في العملات التي يجري تبديلها مقابل أرباح شرعية، أما اليوم فالكلّ في المدينة بات صرّافاً: صاحب السوبرماركت صرّاف، وبائع الذهب صرّاف، وحتّى الطبيب والمهندس صرّافان، والحركة كلها محصورة بتبادلات فردية بين أشخاص يحاولون سحب أكبر كمّية من الدولارات المتوفرة بين أيدي الناس، وهي حركة تبقى محصورة بكمّيات قليلة، خصوصاً أنها تعتمد بشكل أساسي على الـ fresh dollar الذي يرسله المغتربون الى أقاربهم.
إنها الواحدة ظهرا في زحلة، نسأل عن أحد الصرّافين في مؤسسته فيقال لنا أنّه ذهب لتناول الغداء، فيما أبواب حديد أكبر مؤسسات الصيرفة وأقدمها في مدينة زحلة موصدة منذ وفاة صاحبها قبل أشهر.
قبل سنة 1975 يقال أنه لم يكن يوجد في كلّ منطقة البقاع سوى هذه المؤسسة، لأن معظم تداولات العملة كانت محصورة بالمصارف وفروعها التي نشأت في مدينة زحلة. ساهمت أموال المغتربين والسيّاح الذين كانوا يقصدون المنطقة بكثرة، بانتعاش حركة تداولات الصيرفة في زحلة، قبل أن تتوزّع هذه الحركة بين زحلة وشتورا، وخصوصاً خلال فترة الوجود السوري في لبنان.
بقيت مؤسسات الصيرفة صامدة في مدينة زحلة لسنوات طويلة، واستمرت شغّالة بشكل طبيعي حتى خلال الأشهر الأولى من فقدان الدولار لإستقراره. وفيما بقيت زحلة حاضنة لواحدة من مؤسستين فقط مصنّفتين فئة أولى على طول محافظة البقاع، لم يصل الى منطقة البقاع أي دولار مدعوم من تلك التي وفّرها مصرف لبنان لصرّافي الفئة الأولى، وعليه بقي سعر صرف الدولار في زحلة ومحيطها محكوماً بتسعيرته "السوداء".
منذ أشهر صار الدولار الشغل الشاغل لكل الزحليين، إلا أنّ تداولاته خرجت من مؤسسات الصيرفة الى الطريق أو الزوايا، وبات الكثيرون يعتمدون على علاقاتهم الشخصية في شراء الدولار أو بيعه، وخصوصاً على أثر الملاحقات التي تعرّض لها الصرافون في البقاع خلال شهر تشرين الأول من سنة 2019 عندما بدأ تداول الدولار يتخطّى الـ1515 ليرة.
إبتدع الكثيرون سبلاً مختلفة للحفاظ على قيمة مدخراتهم، واستبدل البعض الـ fresh dollar بشيكات مصرفية سدّدت قيمة سندات بالمصارف بثلث قيمتها. فيما عمد التجّار الى خلق شبكة تداولات محلية، سمحت لهم بتحويل مداخيلهم بالعملة الوطنية مباشرة الى الدولار تجنّباً للخسائر التي تسبّب بها عدم إستقراره. وكذلك عمد الكثيرون الى إستبدال العملة الورقية بشراء الذهب، فانتعشت محلات بيعها في المدينة قبل أن تتراجع حركتها مجدّداً نتيجة لفلتان سعر صرف الدولار.
منذ يوم السبت الماضي يعيش الزحليون في حالة ذهول أمام الإرتفاع القياسي لسعره في السوق السوداء، وهو ما قلّص حركة تداوله المحلية، خصوصاً أن من يملكون الدولار يتجنّبون التفريط به، أما من يعتمدون على الـ fresh dollar لتأمين معيشتهم فقلقون من أن يخسروا قيمته أمام الإرتفاع الفاحش في أسعار المواد الغذائية والمشتريات، والنتيجة: جمود في مجمل الدورة الإقتصادية في المدينة.