جويل الفغالي
لم يبق أي قطاع في لبنان بمنأى عن الأزمة الإقتصادية. الجميع يقاوم من أجل الإستمرار والصمود وتأمين "لقمة العيش". "المولات" والمراكز التجارية الكبيرة واحدة من القطاعات التي تضررت بشكل كبير، مرة بسبب الإنهيار النقدي وتراجع القدرة الشرائية ومرات بسبب كورونا والإقفالات المتكررة. فكيف سيكون حال "المولات" في الأيام القادمة؟
الإنهيار الكبير الذي أصاب لبنان، والذي ترافق مع حركة الإحتجاجات وتفشي وباء كورونا، ووجود ثلاثة أسعار لليرة مقابل الدولار، وأزمة المصارف وتقنين السحوبات، وإنفجار مرفأ بيروت... أثّر بقوة على قطاع المجمعات التجارية. ففرغت من روادها وغادرها الكثير من العلامات التجارية المحلية والأجنبية بسبب تراجع القدرة الشرائية لدى المواطنين وتركيزهم على تأمين المواد الأساسية كالغذاء والدواء.
إعادة فتح القطاع
في الوقت الذي تتحضّر فيه القطاعات التجارية للعودة إلى الحياة تدريجياً بعد ما يقارب شهرين من الإقفال، "أتى قرار الفتح الجزئي للمولات كبداية جي٘دة"، يقول رئيس مجلس إدارة شركة أدميك وستي مول ميشال أبشي. وبالإضافة إلى التزام المجمعات التجارية بأقصى درجات الحيطة والحذر فان "اقفال المطاعم واستمرار سريان مفعول طلبات الإذن عبر المنصة، والإلتزام الجدي بالقيود الوقائية المفروضة... عوامل ساهمت في تنظيم حركة الرواد في المولات وحدّت من خطر إنتشار وباء كورونا".
الخسائر كبيرة
لا شك أن هذه العودة ستكون صعبة، ولن يتوضح مستقبل الحركة في" المولات" إلا بعد مراقبة ما ستفرضه الوقائع المعيشية والصحية والقدرة الشرائية للمستهلكين، ومصير سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية. وبحسب أبشي فان "تقييم الخسائر في الوقت الحاضر هو أمر صعب. خصوصاً ان الإفتتاح الجزئي بعد شهرين من الإقفال لا يعطي صورة واضحة عن الواقع. وعلينا الإنتظار لإعادة فتح البلد بالكامل وبشكل طبيعي". ولكن بالطبع مثلما هو واضح فان "الخسائر ستكون كبيرة" برأي أبشي. "فكثيرون هاجروا، والأقلية الباقية في لبنان يتقاضون راتباً لا يكفيهم لتأمين حاجاتهم الأساسية. هذا بالإضافة إلى هجرة عدد من الماركات العالمية التي أثّرت على عمل المولات ورفعت أعداد الموظفين العاطلين عن العمل. فنحن اليوم أمام أزمة صعبة وعلينا الإنتظار لمعرفة كيف ستتفاعل الأسواق في المستقبل مع هذا الواقع. وكيف سيكون حجم السوق الجديد". كما يرى أبشي أنه "من الصعب التعويض عن مغادرة العلامات التجارية لبنان عن طريق الصناعة المحلية. ذلك ان تطوير الإنتاج المحلي يتطلب عدة سنوات للوصول لما وصلت إليه الماركات العالمية. كما وان مثل هذا المشروع يتطلب وضع خطة مالية صناعية مرفقة بجدول زمني مع كمية إستثمارات كبيرة. الأمر الذي يصعب الوصول اليه في الوقت القصير".
استمرار القطاع
مواجهة التحديات التي تواجه المجمعات التجارية تتطلب تعاون الحكومة"، يقول ابشي. "فالمشكلة الأساسية بدأت منذ العام 2016، عندما أهملت الحكومة دعم هذا القطاع. والمطلوب في حال تشك٘لت حكومة يوماً ما، إعادة النظر بالخطأ الذي حصل والذي أثر بشكل سلبي على المؤسسات التجارية والسياحية والعلامات التجارية الموجودة داخل المولات وأدى إلى تناقص فرص العمل وزيادة نسب البطالة". أبشي الذي يحاول النظر إلى نصف الكأس الملآن يقول: "هذا القطاع يجب أن يستمر، وسيستمر. فبالوقت الذي يعاني فيه البلد من إنتشار وباء كورونا، تبين أن المولات هي من أكثر الأماكن الآمنة؟ وهذا طبعاً بفضل نجاح الخطّة الوقائية التي وضعتها الحكومة والتي يصعب تطبيقها في الأسواق المفتوحة".
غياب المكونات
يؤكد أبشي على أهمية تطوير الصناعة المحلية، وإمكانية حلولها تدريجياً مكان البضائع الأجنبية. "ولكن المشكلة تبقى في غياب بعض المكونات الأساسية. فالصناعة، بما تتطلبه من إستثمارات كبيرة تفترض توفر السيولة ووجود قروض بفوائد متدنية جداً، إضافة إلى توفر الكهرباء، والمواد الأولية التي معظمها مستورد من الخارج. وهذا ما ليس بالامكان والسهولة توفيره في ظل هذه الظروف. من هنا، نرى أنه من المستحيل أن يتطور هذا القطاع بدون وجود خطة جد٘ية وفعالة".
المراكز التجارية تعتبر قطاعاً أساسياً وحيوياً يحرّك جزءاً كبيراً من الناتج المحلي، وهو يتأثر بالمستوى المعيشي للمواطنين. ولا شك ان تراجع القدرة الشرائية بشكل كبير بسبب إرتفاع الدولار سينعكس على سوق الإستهلاك، ويؤثر على أسعار المنتجات والسلع والخدمات في المراكز التجارية. وستشهد هذه المراكز المزيد من التراجع وإغلاق المحلات إذا استمر الوضع على هذا الحال.