النقيب السابق لمحامي الشمال، الوزير السابق رشيد درباس
أبدأ بالاعتذار عن هفوة وردت في مقالة الأحد الماضي، نبّهني إليها الأخ الكريم الدكتور غسان عياش، وهي انني استعملت لفظة "المتصرفيّتيْن" بدل "القائمقاميّتيْن" فاقتضى التنويه.
وأضيف قبل الدخول إلى الموضوع، أن عزيزاً ذكّرني، بالاشارة إلى ما نحن فيه، أنّ ابنتي رلى عندما رشّحت نفسها لعضوية بلدية الميناء العام 2012، قالت في أحد لقاءاتها، إن الأصل في الأشياء أن يمشي الناس على الشوارع، لا أن تمشي الشوارع على الناس.
أما بعد،
اجتمع المتقشفان في حيّ فقير من مدينة النجف وتبادلا الكلام بلغة العيون الحزينة وسطور القسمات وغضون الجبينيْن والوجنات، ولمّا احتاجا لمترجم، تولى القلبان الإفصاح عما يختزنان من هموم البشرية ويستشعران من ثقل المسؤولية؛ كل منهما يرى القربى إلى الله في التقرب من عياله، وكلاهما يحتسب لغضبه حين يعاينان على مدى حياتيهما العامرتين وقاحة الزعم باحتكار الإيمان، والتحكم باسم الرب بالحيوات، وتوحش إزهاق الأرواح وإعمال السيوف في الرقاب، ثم الذهاب بعد هذا إلى الصلوات الكاذبة إيهاماً بالانتماء إلى التقوى.
البابا، بسنيه المديدة، ورئته الوحيدة، ورجله الكليلة وردائه الأبيض، يمدّ جسراً وطيداً من الأرجنتين إلى أرض السواد لا لينشر الكثلكة في بلاد الرافدين التي تضاءلت بعد الاجتياح الأميركي، بل ليعتذر عما اقترفته الحضارة الراهنة بحق الحضارة التليدة، ويجدد إيمانه بالمجتمعات الحية التي تنصهر فيها الثقافات وتتلاقح الأفكار لقاحَ الريح للنخيل، ويدلي بنصيحة الشيخ الشاب للأحياء جميعاً، أن استمتعوا بنعمة الحياة واستثمروا فيها، وإلا فإنكم جاحدون فضل الرب عليكم.
آية لله العظمى، سماحة الشيخ علي السيستاني قليل الكلام، لكن نهج بلاغته يفيض على العالمين وعلى العصور، نادر الظهور بيد أنه كثير المريدين، بحرُ علومٍ يرفع سواد عباءته نجمًا تهتدي به النفوس إلى ميناء الأمان، يعتصم مقامُه الرفيعُ بتواضع الضيف الذي دخل إلى الدنيا عابراً لا مالكاً، فارتضى من العيش شظفًا، واتخذ من وقاره منبراً ومن اقتصاده في الكلام فضاء من تعاليم باذخة الدلالات.
ما صدر عنهما بعد ذلك كان موضع عناية المراقبين والمتابعين والمؤمنين، أما أبلغ الكلام، فكان ظهورهما معًا جالسَين في خشوع مشبع بالهموم الإنسانية، متخذين من الأبيض والأسود جديدي الليل والنهار، ومن سماحة الوجهين دعوة مستدامة للتسامح، فكأن جلستهما تلك تقول لكل المستكبرين تواضعوا، كما كان يؤكد سماحة الإمام العلامة محمد حسين فضل الله. فلقد دخل البابا الأبيض على آية الله بصليبه الخشبي، كما وقف سابقاً مع فضيلة الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر فائتلف الجوهر مع الجوهر فالله وحدة كلية لا تنقسم، والإنسانية بنت الطبيعة المتكاملة: وردٌ يجاور الفلّ، وصفصاف يتمسح بساق الحور، وحده النبات الشيطاني يتكاثر ويفترس الزرع الطيّب، أما الشيخ الطيّب فهو الذي افتتح أكبر كنائس مصر في العاصمة الجديدة، وأما البابا تواضروس فهو القائل بعد تفجير الكنسية يوم رأس السنة الميلادية، إنني أفضل أن تكون مصر بلا كنيسة، على أن تكون الكنيسة بلا مصر.
أدقّ ناقوس هذا الأحد تحية للأحبار الأجلاء الذين يتمتعون بحسّ مدني مفقود لدى معظم أهل السياسة، وبقلوب شفوقة، ترفض البغضاء، فيما كثير من سياسيينا، الذين يجهلون مقاصد الأديان يزعمون الدفاع عن طوائفهم بإضرام نيران الكراهية، وهذا يدعوني إلى الإشارة إلى أنّ اللبنانيين الذين تعلقت أنظارهم بزيارة البابا إلى العراق وتلقّفوا وعده بزيارة قريبة للبنان، كانوا قد استبشروا سابقاً بمبادرة البطريرك الراعي، وابتردت قلوبهم بغضب المطران عودة الأسبوعي وآنسوا من كلام أصحاب السماحة والسيادة ما يؤكد على أن النغمات النشاز الداعية إلى جمهوريات تتخذ من طوائفها حدوداً لها إن هي إلا لوذ بالوهم كما قال لي جهاد الزين، ومشروع مستهلك للبحث عن فتنة مستدامة بأمل إبقاء الكرسي مرتهناً لحين بلوغ ولي العهد سن الرشد.
|
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp)
اضغط هنا