"المشكلة مش بالجوع ولا منخاف منه بس أحلامنا كانت أكبر من الشبع"، هذه العبارة انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تحمل في طياتها جرحا كبيرا وعمقا لا حدود له!
كيف وصلنا الى هذه المرحلة؟ وكيف بدأنا نفكر بهذه الدرجة من اليأس الممزوج بأحلام مكسورة؟
عودة الناس الخجولة الى الشارع، فيها من الصراخ والأصوات ما يمكن أن يملأ العالم... يا ليتهم ينزلون من قمة الفساد الذي يعيشون فيه وينظرون الينا، ليس لمد أيديهم الملوثة بدماء مستقبلنا المستشهد في هذا البلد لا!... بل فقط كي يروا الى اين أوصلونا بوقاحتهم ونهبهم واهمالهم وانانيتهم وبطشهم...
عزيزي الزعيم، مهما كان لونك، سأعطيك بعض الأمثلة علّك تصحو ولو بعد فوات الأوان: أنا كمواطن لبناني، خسرت كل شيء على الشكل التالي: كنت طفلا ورأيت والدي يرتدي ملابس قديمة ويداه ملوثتان بشحم الكرامة وغبار التضحية حتى يربي عائلته ويعيلها، دخلت الى المدرسة وتعلمت في كتب اخوتي الذين سبقوني، اضطرت والدتي للصق صفحات الكتاب مرات عدة لأن على اخي أن يدرس فيه بعدي... في كل مناسبة وكل عيد كنت أسمع همسات والداي وهما يحاولان ايجاد طريقة حتى يشتروا لنا ملابس العيد الجديدة، لأن لا قدرة لهم على ذلك، لكنهم لم يستسلموا أبدا وكانت يد الله معنا...
تعلمنا وكبرنا، "اليوم في طبخة وبكرا مناكل الموجود"... "ربطة الخبز بتكفينا الليلة؟"... "ما تنسى تحضر شمعة قبل ما تروح الكهرباء"... "رح أعملك عروس زعتر حتى فيك تركز بكرا عالفحص"... كم مرة سمعنا هذه الجمل تتكرر في منازلنا منذ الطفولة، وما أدراكم كم "عروس زعتر" أكلنا لأن ليس بمقدور الوالد شراء الجبنة وغيرها...
عزيزي الزعيم، على عروس الزعتر كبرنا ودرسنا وتخرجنا، منا من هاجر يبحث عن عمل في الخارج، هذا الذي تتّكلون عليه في الاغتراب كي يملأ جيوبكم بحفنة دولارات هو في الأساس أرسلها لأهله، ومنا من بقي هنا، في لبنان "مقبرة الأحلام والطموح والأمل"!
هل تعلم يا عزيزي الزعيم، أننا نعمل كموظفين في مؤسسات لا أنتم تنصفونها عن قصد ولا هي تستطيع أن تنصفنا غصبا عنها؟ هل تعلم أن الليالي التي درسنا فيها على ضوء الشمعة حتى نتخرج ونتبوأ أهم المراكز أصبحت تساوي 150 دولارا كمرتب شهري في حال لامست هذا الحد؟
في الحقيقة، كان حلمي أن أشتري منزلا فحرمتموني منه، كان طموحي أن أكبر مع اخوتي لكنكم هجرتموهم، كنت أرغب في أن أمنح أهلي الحياة التي يستحقونها بعد تعب وشقاء العمر ولكن حتى هذا أخذتموه مني، وعاد فينا الزمن سنوات الى الوراء، وصرت ألف عروس الزعتر لهم وأقول "يا امي الزعتر بنشط الذاكرة والجبنة فاسدة... بكرا منجيب شي أطيب"!
بئس هذا الزمن الذي أوصلتمونا اليه، هذا الزمن الذي حرمنا فيه حق الحب والزواج والانجاب والعمل والكرامة والتنفس والطموح... ربما سنوات الدراسة كانت حرقا لعمر لا خلاص له معكم!
عزيزي الزعيم، هنيئا لكم تعبنا وأحلامنا وشقاء عمر أهلنا وعمرنا... أنتم "مصاصي الدماء" الذين اعتادوا على العيش على دماء الأحياء حتى يموتوا!
نعم يا عزيزي، حلمنا كان أكبر من الشبع ويبدو أن حتى "عروس الزعتر" ليست مضمونة بعد ارتفاع سعر الخبز!
مبروك عليكم ما عشنا لأجله وحلمنا به... ومبروك لكل من تمكن من الهرب... ومن الآن وحتى يأتي يوم نستطيع فيه أن نحلم، اذا اتى... تصبحون على شعب يعيش من قلة الموت وعلى الدنيا السلام!