مريم مجدولين لحام
لا يزال الرأي العام اللبناني يعيش على وقع الفضيحة التي أكدت وجوب عدم الثقة بوزارة الصحة، بعد اتخاذ الوزير شخصياً "قراراً سيادياً" بتطعيم النواب خارج الآليات والمعايير بحجة "تكريمهم" على "جهودهم"، في ممارسة عملهم التشريعي الطبيعي كإقرار قانون اللقاح. أما الفاجعة، فتكمن في اشتراط الوزارة أن تكون وسيطاً تجارياً وفي بعض الأحيان شريكاً بين الشركات المصنعة للقاح والشركات اللبنانية التي تبغى استيراده، علماً أن أي إجراء يتضمن الدفع المباشر للوزارة هو غير قانوني! ولا محل هنا للدفاع عن الأخطاء والتجاوزات ولا التبريرات غير المنطقية، أو الانتهاكات التي ترجمت باستنسابية الوزير في محاسبة إدارات المستشفيات على توزيعها للقاحات، التي على وشك التلف إلى من هم ليسوا مسجلين على المنصة عبر إرجاء اعتماد مستشفيي بعلبك والبترون الحكوميين كمركزي تلقيح (مع أن مستشفى البترون لم يكن أصلاً على المنصة).
وفي غمرة مشهد "التقاتل" على اللقاحات القليلة المُستقدمة من الخارج بين من هو في أعلى سلّم الأولويات ومن يجب أن ينتظر، وتصريحات نقيب الأطباء شرف أبو شرف الذي أكد أن الأولوية لم تُحترم كما يلزم في موضوع لقاح كورونا، وأن هناك بعض الاطباء والصيادلة لم يستطيعوا الحصول على اللقاح، أكدت وزارة الصحة العامة لقناة "LBCI" أنها "منحت 20 شركة خاصة "أذونات لاستيراد أكثر من نوع من لقاحات فيروس كورونا المستجد "كوفيد 19"، لكن هذه الشركات اصطدمت برفض الشركات المصنعة للقاحات". وهو تصريح فيه مغالطات كبيرة، فالتواقيع الممنوحة من الوزير لبعض الجهات ليست كافية كمستند رسمي لإتاحة الاستيراد ولا يمكن استعمالها مع الشركات الخارجية. فما يقوم به الوزير هو التوقيع "بالقلم البيك" على الكتاب الموجه له بعبارة "لا مانع بالتنسيق مع اللجنة الوطنية للقاح كورونا لتوفير المستندات المرفقة ومساعدة المجتمع في مواجهة الجائحة" ومن ثم يختمها، وهو ما يُعتبر "حبراً على ورق" لا يمكن صرفه مع شركات عالمية وهو يعرف ذلك.
أما المشكلة الأكبر، فتكمن في معلومات خاصة لـ"نداء الوطن" تتحدث عن عرقلة الشركات المستوردة للأدوية، لدرجة أنه يطلب منها كقطاع خاص أن تلعب الوزارة دور "الوسيط" أي أن تُدفع له الأموال ووزارة الصحة تستورد عن الشركات وتعطيها اللقاحات، وفي بعض الأحيان تطلب الشراكة مع العلم ان هكذا إجراءات غير قابلة للتطبيق لان وزارة الصحة لا يمكنها قبض الأموال مباشرة والتصرف تجارياً، وعلى الأقل تحتاج الى قانون خاص أو حتى مرسوم من مجلس الوزراء.
وأحياناً يتحجج الوزير بأن المصنعين (فايزر وموديرنا وغيرهما) يرفضون بيع اللقاح لغير وزارة الصحة وقد يكون ذلك صحيحاً مع بعض المصنعين، لكنه لا ينطبق على الموزعين أو الوكلاء بالجملة للشركات عينها أو على مصنعين آخرين. وتفيد مصادر ان هناك كمية كبيرة من اللقاحات متاحة للبيع ويمكن استيرادها خلال أسابيع إذا أفسح وزير الصحة المجال لذلك. كما ان للمستشفيات الكبرى قدرة استيعابية أكبر مما تستخدمه اليوم وزارة الصحة، فبإمكان المؤسسات الاستشفائية الكبرى أن تجري 1000 عملية تلقيح يومياً أي يمكن تلقيح 150 ألف شخص في مركزين فقط خلال شهر أي ما يعادل الكمية الشهرية التي حصلت عليها وزارة الصحة من "فايزر".
على أن بين الانتهاكات ما يتحدث عنه النائب هاغوب ترزيان لـ"نداء الوطن"، عن إعلان جهات سياسية استقدام ما تيسّر لهم من لقاحات استطاعوا تمريرها عبر المطار كونهم "أصحاب جوازات سفر ديبلوماسية" وتوزيعها على الناس وذلك من دون المرور بالمنصة كما من خارج النطاق الإشرافي لوزارة الصحة". ويتابع: "وهنا نسأل هؤلاء، ما الذي يؤكد لنا أن ما أتيتم به من لقاحات صالح، وكيف سيتم التعويض على الناس إن تضرروا من اللقاح عبركم، خصوصا أن اللقاح لم يمر في آليات وزارة الصحة، وبالتالي لم يدفع 1% لصندوق التعويض الصحي في حال حدثت أي مشاكل صحية؟". ويكمل: "وهنا لا ألوم من يستقدم اللقاحات فقط بقدر ما ألوم بطء الوزارة في توزيع اللقاحات وغياب رقابتها وآلية المحاسبة. فالمؤكد أن الجهات التي حصلت على هبات لقاح من الخارج وأدخلتها إلى لبنان هي أكثر من جهة". ويأتي خبر "إرجاء اعتماد مستشفيي بعلبك والبترون الحكوميين كمركزي تلقيح" خبراً مضحكاً، فيقول مدير مستشفى البترون الدكتور أيوب المخباط لـ"نداء الوطن"، إنه وقع بين خيار اعطاء ما وصله من اللقاحات إلى الناس أو تلفها! فمستشفى البترون لم يكن بين المستشفيات المحددة أصلاً من وزارة الصحة كمركز للتلقيح، ولم يكن وارداً اسمه على المنصة الخاصة للتلقيح. وقد "تواصلت معنا الوزارة وأرسلت لنا 48 لقاحاً فائضاً عن مستشفى في المتن قبل انتهاء صلاحية اللقاح بثلاث ساعات، وطلبوا منا تلقيح ما يمكن تلقيحه من أهالي البترون، وهو ما قمنا به!". ويكمل: "لسنا المستشفى الوحيد الذي قام باستعمال ما فاض لها من لقاحات في إعطائه للناس، راجعوا كل المستشفيات وما قمنا به هو الخيار الطبي الانساني السليم. فلماذا الكيل بمكيالين؟".